السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إضـــــــــــــاءة
عذبات مارقة أبطالها أرواح بشرية، شاءت الأقدار أن تكون في حضرة المعتقلات الممتدة في ربوع وطننا العربي ،تتسامر مع النيازك المنبعثة من أيادي الجلادين ...تسيل الدماء بسخاء نحو مجرى اللاوعي ، تَعِد بالكثير من الإختزال نحو مصير تتساقط أوراقه في ليالي بآهات مصلوبة،الحدر واجب واليقظة مطلوبة...دق الحدث أوتــــاد خيمته...همس مثير للفضول يهز الأفئدة هزًا مخيفاً، ألم يدك الأسوار دكا، ولحظة تعبث بمخيلة نائـل كوحش خبيث زاد من كربه وأضرم السوء والجبروت في سيرته، فأصبح للشر جناحان في قلب الجحيم... إشتهاءات تعودت على المضي قدما لسربلة ذاكرة مثقلة بالأشواك الجوناء.
مدخــــــــــل
نبضات ساعة حائطية متواصلة، ظلمة حالكة تحرك أهداب الغرفة في حركة أسطورية ،صوت الزوايا تتهامس في خفاء مستتر تناجي الثرى، سرير منعكف مثل القرفصاء لا يعبر عن حميميته لصاحبه في ازدراء...ضوء الأباجورة في شيخوخة متناهية على مقربة من الضياع...نائل يشيح بنظره في اتجاه لا يخلو من الريبة، نظرة عميقة فيها من الغليان لأشعال غابة مورقة... فيغفو بجوار ذكرياته نحو الشفق القرمزي منصاعا لجراحه الدامية وهي تندثر كقطرات الندى على ورقة ذابلة...
-أنت موقوف بتهمة المس بأمور الدولة... جملة ما تزال تلعب بفرائسه بعد طول سنين....
تم تعصيب عينيه بشريط أسود يمنع مرور الضوء إليه..قيدت يداه بشدة.. تنطلق السيارة في عجالة من أمرها...أصوات وهمسات متقطعة تعبر عن حلاوة الصيد ، تفرعات دموية سارت في جسد نائل... فنطق في رعشة والعرق يتصبب من جبينه
-الى أين نـــــــحن ذاهبون؟
-فرد عليه صوت غليظ قريب منه: في اتجاه العالم الأخر... ويتبعها بقهقهات وضحكات صاخبة...نائل أصبح ساعتها ضمن حضيرة القطيع والنعاج الضالة ، بؤس نزل بمظلة هابطة ولحظة سيخلدها التاريخ... غرفة باردة تلك التي كانت من نصيبه وصراخ المتواجدين بالقرب منه في زاوية مظلمة، تنكيل وضرب الى حد الهمجية...زنزانة تملؤها القذارة...شقوق وتجاويف أقيمت على أطرافها مختلف الحشرات الضارة ...يجرونه كورقة خاوية فقدت سيطرتها ...فيبدأ الجلاد في ممارسة طقوسه الشيطانية...يشحن جسده بالأسلاك الكهربائية فينطلق العواء... صراخ ... صراخ ...صراخ

تختلط الأشياء ببعضها البعض ويتحول العالم السرمدي الى صحراء قاحلة...جافة...حر شديد...إختناق أبدي...وفجأة تظهر ملامح واحة بها شجيرات عملاقة وبحيرة صغيرة ، فتلطمه بمياه وسخة صفراء... طبعا حاشية الجلاد توقظه من غفوته قبيل إعادة فصل جديد من فصول التعذيب...مسيرة منقطعة النظير تلك الضربات المتتالية للجلادين، رفع كفيه نحو أذنيه ليمنع السمفونية وهي في حالة هيستيريا...تأتيه الصفعات من كل جهة فيحاول صدها بأسلحة بالية لا تتمتع بحق المناعة، يرفع مرفقيه نحو وجهه... بزغت نجمة في إتجاه وجهه لتطبع ضربة مدوية ، ذوبان حتى أخمص رجليه وحركة جنونية منبهرة بايقاعات خفية...نبضات شعور آدمي بليغ...نار تشتعل...دخان متصاعد...ثورة ملؤها الغضب...
وماذا بعــــــــتد؟؟؟
تمنى الموت طوعا مرات كثيرة وجذب عنقه بهدوء ...إرتماءة صاحبها ضجيج رأسه المصاب بمخطوطات تؤرخ عبودية الأثار التي خلفها العدو اللدود...لحية كثة تدغدغه ترجوه العودة الى واقعه ...شعيرات بيضاء تفشت فوق صدغيه في هامة جندي مستسلم لعالمين متناقضين، أبى الموت أن يحرره من قيده ،فما يزال صوته الأجش يعيد التفاصيل الدامية وضياع سنوات من عمره بسبب إعتقال خاطئ والعذر الأقبح هو تشابه في الأسماء...وبدون موعد سابق تجده يلوح لجدران غرفته أنه الحاكم لقعلة أرخت انجازه في عتمة حاكلة...غبطة غليظة الميثاق عندما يزوره الجلاد كل ليلة بفظاظته فيسبح في زاوية عامرة مستدقة، يلوح له بعصا حديدية تجعله مخلصا للأمسيات الصاخبة في إثارة غير مسبوقة، حتى الشمس إمتنعت عن الدخول لقلعته مخافة أن تفترسها عيونه الجاحظة...لحظة في بوتقة الذاكرة المتعبة...غاية من الصعب أن يدركها في عناء الأدوية وهي منتصبة بالقرب منه...وجوه مختلة تتلاعب بمخيلته وإصرار خفي لمحاصرة ماضيه بحاضره ، أصبح كيانه من صفحتين...واحدة تهاجم والأخرى تفر، وقف شعر رأسه يبحث عن بوصلة تحدد الإتجاه الأزلي لمعاناته ، تلك البقع السوداء تهرول صارخة في غيض كظيم... ينهض بسرعة من سريره...تداعبه الهمسات من كل جانب فيدور حول نفسه في تيار معاكس لوحش المكان... فيرتطم رأسه بالجدار ويفقد وعيه ليعانق عالمه الأعزل...وداعة قيلولة برمق اللاوعي وهدنة جاثمة وسط لعنة الكدر...يتوسل بلطف أن لا يعبث أحدهم بجسده المسجى فوق الأرض، أنين شق أنات قلبه المثقل بالهموم ليسافر في خلود الذكرى..لحظة هرمة إلتصقت بمخيلته...خطوات تتجه بالقرب منه وإحساس غريب يتوجس بين الإنعزال والتلبس الشيطاني الذي أحاط بنزق نوباته اليومية...يتطاير الزبد من جوفه ويصرخ كثور هائج.... آآآآآآآآآآآآآآآه
-3SL-com_.jpg)
يفتح عينيه نحو الأعلى في شهقة ماردة معلنا فصلا جديدا ، ليجد أسرته تحكم القبض على ثورته.....غمغماته ملأت المكان وحالة طوارئ بين الهمز واللمز أثارت عبق السجن الخارجي...هكذا أصبح نائل بعد خروجه من المعتقل... يتمدد بين الأشياء المتناقضة...جمرة الإنقسام جعلته يعيش في حالة من الفوضى...مرة يكون مثل الطفل الوديع ومرات أخرى كالثور الهائج...ضحكات يتبعها بنوبات من البكاء المستمر...يرفض الخوض في الكلام أو مقابلة أقرب الناس إليه...أصبحت مشاعره مرتبكة لا تقوى على التمييز...تتصارع الخطوط بداخله لترسم له الظل الأسود في حياته وهلوسة تنزاح من عرق التشهي لبقية عمر فانٍ وشاهد على قبره المحموم في أفق ديوان الأمس الثائر وغرابة الحاضر المبهم ...
خــــــــــــــروج
تلك هي تراتيل ملحمة لإنسان حوله الزمن الى ألوان قاتمة إمتزجت بموسيقى العازفات الجنائزية وأشباح ترسم خلفية مرعبة للأيام الباقية.
بقلـــــــمي
رفيــــدة