تراه يجلس فى سكينة يشخص ببصره إلى السماء ، ويتطلع إليها فى لهفة خفيّة ،
وعلى جسده ملابس بالية لا تكاد تستر عظامه الظاهرة لصبىّ فقد جسده هذا المعنى !!.
لا تجده يسأل الناس طعاما ، أو شرابا ، بل إنه لا يأبه لهم بالمرة ، فهو يقضى ليله ،
ونهاره فى تلك البقعة من زاوية الشارع ، ونظره متجه لأعلى فى معظم الأحيان
وكأنه ينتظر شيئا هاماً سيأتى له منها .
سألتُ عنه أهل الحارة ، فقالوا أن أمه ماتت بعد هجر أباه لهما ، فأخذ يجلس فى هذه الزاوية
معتقدا كمعظم الصبيان أنها تنظر له من السماء وتراه وهو ينتظرها !!.
ويبقى الأمر بين طيات المجهول مفقودا لا يحاول أحدا اختراقه ، أو حتى إعارته الإنتباه .
وفى يوم مررت بالشارع ، فلم أجده فى مكانه ، فأخذت أتسائل : " ياترى إلى أين ذهب ؟"
لكنه لم يشغل فكرى إلى حد بعيد ، فهو كان كالعدم بيننا ، لا يمثل وجوده منفعة ، أو مضرَّة .
وبعد مُضِىّ عدة أسابيع وجدته فى مكانه المعتاد ، وذات الجلسة يجلسها ؛ حينها رقَّ قلبى لشكله ،
فاقتربت منه فى حذر ماداً إليه يدى ببضعة قروش ، فنظر إلىّ بعينين لم أرى فى غيرهما
كل هذا المقدار من الحزن الممزوج بالضياع ، وافترت شفتاه عن إبتسامة ساخرة ،
وأشاح بوجهه بعيداً ، وهو يتمتم قائلاً : " ليتهم يفهمون !!. "
بقلمـ بانسيه ـى
4/10/2008