الإهـداء ..
إلى محبـي القصـة القصيـرة أهدي قصتي
هذه , و أتمنى أن تنال إعجابهـمـ ..
معتصم ,,
( آمـال مُتضاربـة .. )
في إحدى غُرف البيت المتهالك القابع على تلّة عالية , جلس سالم على تنكة زيت قديمة محاولاً إصلاح حذائه و قد ضاق ذرعاً من قطعة
الجلد التي تأبى أن تصلح , فهو مُضطر لوضع قطع صغيرة من الفلين في الثقوب التي تعجّ بمقدمة الحذاء كي لا تتسرب المياه إلى الداخل ,
و ما أن سقطت الإبرة على الأرض حتى أطلق زفيراً مُلتهباً من رئتيه بعدها بعث بنظره في آرجاء الغرفة متفحصاً إياها لا يدري لماذا يحلو
له ذلك مع أنه منذ نعومة أظفاره و هو يعيش هنا , البُرواز المعلق على جدار الغرفة و الذي يحوي على عبارة " سأصبر حتى يعجز الصبرُ
عن صبري " المخطوطة بالأرز و العدس الجافيّن و إذْ به في جولته البصريّه حتى لاح له خيال امرأة يدخل عليه .. همس داخله : هذه أمي .
بإبتسامتها المُعتادة و الكبر الذي أخذ يرسم تجاعيده على صفحة وجهها لفظت حروفها : من هي سعيدة الحظ التي أخذت بالك ؟ , بادلها
الإبتسام , ثم قال : قل كم هي تعيسة لأنها ستقترن بواحد مثلي ! , ران على الأم الإشفاق هي تعلم مدى الصدمة التي ولدّها غياب الأب
الذي هاجر إلى بلاد ما وراء المحيط كما أخبرها و عندما سألته ببساطتها عن معنى كلمة محيط صفعها على وجهها ليترك كفه أثراً مُحمراً
على وجهها و ألماً ما زال يتسع داخلها .. هي كافحت حبست الدموع من أجل وليدها الوحيد لكي يكبر و يشتد ساعده عملت في يوم من
الأيام خادمة في بيت " البيك " و الأب يتسكع في الشوارع يلعب القمار فيخسر و في الليل يُغافل الأم النائمة الضامّة وليدها إليها فيسرق
المال ثم يلعب القمار فيخسر .. إلى منْ تتركنا يا محمود أغلق الباب خلفه دون أدنى شعور بالمسؤوليّة غير آبه بكلماتها و نحيبها ..
شبّ سالم , عشرون عاماً على غياب محمود تارة ً يعمل سالم و عشر تارات ٍ يقضي يومه بين جدران أربعة يحاول استنطاقها فترفض
الكلام يحاكيها دون فائدة , سألته المعلمة يوماً عندما ذُكر اسمه في كشف العلامات " سالم محمود " لماذا لم يأت ِ آباك يا سالم إلى إجتماع
أولياء الأمور .. عمّ الصمتْ .. كل العيون تراقبه في الصف و هو صامت , ماذا سيقول لهم , أبي سافر و لم يعد ! ..
ترشّف الشاي الذي أحضرته أمه , و قال : منْ الذي سيُناسب فقير يا أماه !؟ , الكل ينظر إلى فوق و لا أحد ينظر إلى تحت , قاطعته
: نحن لسنا تحت يا سالم , أنت وافق على الفكرة و أنا أذهب من الغد و أدوّر على بنت الحلال ..
إسبوع قد مضى , الساعة الآن السادسة مساءً و أبو حميد سائق التاكسي يضغط على " الزامور " منذ نصف ساعة تقريباً و يدا سالم لم
تفارق شفرة الحلاقة بعدْ و هو ينظر إلى نفسه في المرأة مُرتدياً بدلة العُمر الذي استعارها من صديقه لمناسبة مثل مناسبة الخطوبة ..
" ما هذه الرائحة الحلوة يا حلو " قالتها الأم التي لبست فستاناً تعتليه شرائط على شكل ورود للزينة .. و ما أن شاهدها سالم بهذا المنظر
حتى أعتلت شفتيه بسمة مُعلنة ً فرحه و سروره .. خرجا تاركيْن الفقر وحيداً في البيت ..
الساعـة السادسة و النصف اتجهت سيارة الإسعاف إلى موقع الحادث .. شاحنة على متنها لوحات يُقدّر ثمنها بملايين الدولارات
و سيارة أجرة تقُل أماً و إبناً يلملمان أشلاء أحلامهما في زمن لم يعد للأحلام أي ثمن ..
( النهـاية .. )
[ بقلمـي , ]
في لحظتها كانت الأحرف ..
