المسلسل اختار شريحة من الطبقة المتوسطة العليا في المجتمع المصري ليسرد من خلالها الحكاية؛ وهي طبقة لديها امتيازات ثقافية وتعليمية تسمح لها بالتفاعل مع هذا النوع من الجرائم والتحصن بالوسائل النفسية والقانونية والأخلاقية. بعكس الطبقات الأقل حظاً، تعليمياً وفكرياً واقتصادياً، والتي قد تمر فيها مثل تلك الحوادث مرور الكرام، من دون وقفة، بسبب قلة الوعي.
لم يكن هذا انحيازاً طبقياً من صناع المسلسل، بل خيار فني موفق؛ وكأنهم تعمدوا الاستفادة من امتيازات الطبقة المتوسطة التي يحكون عنها، بغرض صنع اشتباك درامي حقيقي مع القضية المطروحة. فإذا كان الغرض في النهاية هو بث رسالة توعوية يستفيد منها الجميع، سيكون من البديهي اختيار الفارس الأنسب لقيادة حرب التوعية، وهي الطبقة المتوسطة حاملة القيم وصانعة الاتزان. بدلاً من أن تدور الحكاية في طبقة مهمشة، فتزداد معها القضية تهميشا.
....
صناع المسلسل تعمدوا ترك مساحة للشك في رواية البطلة، وهي من الأمور الفنية التي ورطت المُشاهد كي يتفاعل مع الأحداث ذهنياً وأخلاقياً، فأكسبت المسلسل جاذبية للمتابعة. لكنهم كانوا أكثر ذكاء من ترك هذا «الشك» يشوّش على القضية المطروحة، أو يحيل العمل إلى دراما بوليسية من نوعية «مَن القاتل؟» بشكلها المستهلك.
على العكس، فمساحة الشك أسهمت في جريان الدراما بوتيرة مثيرة. كما أن بها نوعاً من الإخلاص للواقع، حيث جرت العادة أن يتم التشكيك في ذلك النوع من التهم، باعتبار أن الادعاءات الكبرى تلزمها أدلة كبرى. في حين ينحاز المسلسل للشك كفضيلة ووسيلة حماية، وأداة تضفي على الدراما حيوية كلما استمرت، فعندما تكون القصة معنية أساساً بكشف الخيط الرفيع بين الحقيقة والوهم، يكون الشك هو وقود القصة.
...
اللام الشمسية في اللغة العربية هو الحرف الذي يُكتب ولا يُنطق. وكذلك بعض الأحداث في حياتنا اليومية، تمثل واقعاً حتى لو لم يكن هناك إثبات مباشر على وقوعها. لذلك فإن عنوان المسلسل ذكي وكاشف ويجعل القصة أكثر شمولاً من أن تُختزل في قصة الطفل يوسف.
يتجاوز المسلسل قضية التحرش، وينفذ لأفكار أخرى متعلقة ببقية الشخصيات، وكلها متعلقة بفكرة «اللام الشمسية»، أي الجوانب السرية في حياة الفرد وبالأخص التي تدور حول فكرة الاستغلال والانتهاك بكل أشكاله.
....
رغم أن بعض الخطوط الدرامية الفرعية، بدت مقحمة على القصة الأساسية في البداية، مثل قصة حب المعلمة الشابة، والعلاقة غير المشروعة بين الزوج ومديرة أعماله. لكن مع مرور الحلقات نكتشف أن جميعها وثيق الارتباط بالتيمة العامة للمسلسل، من المنظور السابق.
كما يستغل العمل تعدد تلك الخطوط التي تمثل تجارب إنسانية مختلفة حول الاستغلال والانتهاك كي يلفت النظر لفكرة سيكولوجية مهمة، وهي أن بعض الأسرار، يخفيها الفرد عن إرادة، وهناك أسرار أخرى تخفيها الذاكرة العقلية بشكل لا إرادي؛ كي تحمي أصحابها من الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة. وهذا يعتمد على نوع السر، والقدرة العقلية لصاحبه.
....
تميز السيناريو بجودة التصعيد الدرامي، حيث تتنامى الأحداث بشكل محسوب من دون استباق أو إفراط، ما يجعل لحظات الانفجار والانفعال العاطفي تأتي في توقيت مثالي، فتغدو أشد تأثيراً وأقوى وقعاً في نفس المشاهد. كثيرون، بالفعل، وصفوا المسلسل بأنه ثقيل على النفس وموتر للأعصاب.. صادم ومقبض ومخيف لشدة واقعيته!
وبجانب فكرته المعقدة وقضيته الحساسة، يمكن اعتبار الممثل، محمد شاهين، هو القوى الضاربة في هذا العمل. حيث تألق بتجسيد شخصية «وسام» صديق العائلة، والمُعلم المُتهم بالتحرش، بكل ما تطلبه الدور من غموض وتلوّن.
شخصية وسام تخفي السيكوباتية وراء قناع من المثالية. شاهين هنا يُعطي درساً في فن التمثيل، بأداء يؤكد أن الشخصية يمكن أن تكون مرعبة دون أن تصرخ أو تصيح أو تتجهم، بل وهي تبتسم طوال الوقت! ولا شك أن المسلسل كان ليفقد كثيراً من تأثيره لولا هذا الممثل الموهوب.
«لام شمسية» مسلسل درامي جريء يسلط الضوء على قضية مسكوت عنها، ويطرح تساؤلات مؤلمة حول الصمت والخوف، وحدود المواجهة عندما يكون الجاني في قلب العائلة.
لام شمسية .. تحفة درامية ثقيلة تقرع ناقوس التحرش بالأطفال
أمجد جمال - القبس
https://www.alqabas.com/article/5944420