سوسن2022 | عضوة مبتدئة | المشاركات: 43 نقاط التميز: 105 |  | معدل المشاركات يوميا: 0 | الأيام منذ الإنضمام: 892 | | سلامات أخي العزيز فجر السلام
جدَّاي لأمي هذان نموذجان فريدان يصحّ أن يقال إن المثل السائر "وافق..." قد وضع لهما وأنه لا ينطبق على مخلوقين بشريين مثلما ينطبق عليهما. والحديث عنهما يطول فلنقصّره تقصيراً. فقد ولد لهما أربعة أبناء وأربع بنات، فاعجب أولا للعدد المتساوي في الجنسين، وازدد عجباً في تربيتهم وتدريسهم وإبلاغ كل منهم مبلغه، ولعلك ستسأل عن حالتهم الاجتماعية، فكلهم تزوجوا، ومنهم من ازداد له الولد أو الولدين، ومنهم من لا يزال ينتظر. فالأحفاد والأسباط، ما شاء الله، لا تكاد تثبت لهم على أسماء، أو تميز لهم أمهات وآباء. ولأعد بك إلى ما يعنينا، فأنا إحدى الأسباط، وقد وُجدت لي المكانة المتميزة التي جعلتني أقف منهما شاهدة شديدة القرب من تحركاتهما والأنس بأفكارهما وأخبارهما. فأول خصلة تجذب انتباهك هي حبّهما معاً للحساب، وتدقيقهما الشديد فيه، وتميزهما بالضبط والإحكام، والتريث الحكيم في اتخاذ القرار، وكأنما هما معاً بوابا قصر أمينين يحصيان الداخل والخارج بالسجل ودقة التفاصيل حتى لا يكاد يفوتهما من كل ذلك شيء. وهما معاً، وإن كانا منذ البدء، يداً في يد، حتى كادت اليدان أن تصيرا يداً واحدة، إلا أن التميز، مع ذلك كله، وارد، وتميل كفته إلى الجد بدرجة أولى. فهو رجل أعمال العائلة بحق، وإليه ترجع الكلمة الفصل في أي موضوع كان. وما ذلك إلا لدقته في الإحاطة بكل صغيرة وكبيرة في أية مسألة تبسط على مكتبه. وثروته الفائقة لتوقعات الخيال إنما كوّنها بحيلة بسيطة لجأ إليها منذ أولى خطواته في مدارج الأعمال. اشتراء العقارات والأراضي، والصبر عليها ما شاء الله أن يصبر، ثم الإقدام على بيعها، فيجني من ورائها مبالغ خيالية، حينما تذكر وتقارن. وظلت الجدة رافده الأمين في سائر العمليات بدون تمييز. وحب جدتي لنا ونحن صغار، تميز بهذه العادة التي توجد لدى عائلات عديدة، عادة مبيت أحد الأحفاد أو الأسباط، أو اثنين، عند الجدة، بعد الاستمتاع الجماعي بحكاية غاية في الغرابة والجاذبية والإمتاع، ترويها الجدة بصوتها الرتيب تارة والمتغيّر تارة أخرى وهي تقلد المتحدث والمتحدثة، وكذا بهيئتها المسايرة لأطوار الحكاية، حتى لتكاد تجسد المواقف تجسيداً، فنرى من خلالها أحداث الحكاية ونتصور بدقة عالية شخوصها وأفرادها. فإذا أنهت ما ترتضيه مما تحكيه، تصرف الجميع، وتبقي واحداً أو اثنين، بالتناوب بين سائر الأطفال. على أن جدي لا يقتصر عمله على جانب المباني والأراضي فحسب، بل إن نشاطه يتعداهما إلى مجالات أخرى تجارية، يخرج منها دائماً فائزاً. وبخصوصنا في ذكرياتنا معه، فإن أعز لحظات حياته وأسعدها عندما يصطحبنا، بعد أن يحشرنا حشراً في سيارته الكبيرة، إلى الوادي الجاري بالمياه، أو إلى الملعب الكبير أو أحد الفضاءات التي تشهد إقبالا وأنشطة رياضية متنوعة، ويرتدي لباساً رياضياً مناسباً لذلك، ويشارك أيضاً، حسب جهده وطاقته، في ألعابنا وأنشطتنا. فهذه إطلالة سريعة محلقة في سماء هذا الزوج الثنائي السعيد الذي لم يضبط عليه أحد منا أو من الكبار تشاحناً في شيء من الأشياء. وعندما بدأت أستوعب ما حولي، وقفت على حقيقة وافقني الجميع عليها فيما بعد، هي أن معظم أحاديثهما تدور بينهما بمجرد النظر. فهو ينظر، فتبادر هي للفعل وقد فهمت عنه مبتغاه، والعكس أيضاً صحيح. أدام الله الصحة للجميع، وأمتعنا بهما وبجدّيّ الآخريْن، وسائر الأجداد الأحياء، ورحم الله من لبّى نداء ربه، وأسكنهم فسيح جناته. تحياتي
|
0📊0👍0👏0👌0💭 |