سوسن2022 | عضوة مبتدئة | المشاركات: 43 نقاط التميز: 105 |  | معدل المشاركات يوميا: 0 | الأيام منذ الإنضمام: 887 | | سلامات أخي العزيز فجر السلام
الحديث عن الأجداد حديث ذو شجون وشعاب ووديان وتلال وهضاب، فأنت ما تكاد تبدأ في حكي تفاصيل حادثة حتى تنط أمامك حوادث، وتطل أحداث أخرى تتسابق في أن تكون إحداها هي الأوْلى بأن تروى دون غيرها ، فيكاد التعثر يعترى نقرات سن القلم، ويكاد التوهان يستبد بذهن الكاتبة ويشرد بها إلى هذا الاتجاه دون الآخر، فويح للقلم إن تعثر، وويح للخاطر إن تاه أو شرد! فإن تذكرتُ الآن سيرة أجدادي، وانتقلت إلى جدتي لأبي، فهذه نادرة من النوادر الثمينة حقاً. لم أر أدق تذكراً من ذاكرتها القوية إلى أبعد الحدود، حتى إنني صادفت والدي، مرات لا تحصى، يسألها عن هذا التفصيل أو ذاك من أحداث عائلية أو تهم الحي أو تتعداه حتى لأخبار وطنية، يلتقط الوالد ردود فعل الشارع عليها وموقفه منها. أما أخبار العائلة الكبيرة، فهي السجل بدون أوراق ولا آلات تسجيل أو وسائل تخزين. فإن جئتَ إلى القصص والحكايات والأخبار، فهي هوميروس وشهرزاد وطبقات الحكائين وقد مُزجوا جميعاً وصبّوا في قالب واحد. ولكم تحلقنا حولها، يوم أن كنا صغاراً، في غرفتها الفسيحة الأنيقة، دقيقة الترتيب، معتدلة الإنارة، فنرحل معها في رحلات السندباد، وقصص وحكايات قصور الحكام شرقاً وغرباً، ونماذج من سير المعارف والمقربين، هؤلاء الذين تتفنن في عرض مسارهم وسيرتهم وتغير ملامح محياها ونبرات صوتها حسب ظروف ومواقف الشخص المتعرض لذكره. والمرأة دقيقة في تعبيراتها، محيطة بموضوعاتها، فإن أشكل في مروياتها شيء، أرجأته أو تأولته على الوجه الذي يرضيها. هذه المرأة الغريبة تابعتْ دراستها فتاة إلى أن نالت شهادة الباكالوريا، وجاءها الصيف بالزوج الملائم، وكان هو الجد سابق الذكر، فكان أن طواها تحت جناحي سحره، وبهرها بسماحة نفسه وشغفه بالعلم وطلبه المستميت له والإصرار على أن يبلغ فيه مرتقى مّا يرضيه. فعقدت العزم على أن تعاضد هذا الفارس في مسيرته العلمية إلى أن تُكلل بإكليل الظفر. وفي المقابل، اختارت هي لنفسها ما يرضيها من برامج تسلية وتكوين، من تلقن اللغات، وتنظيم رحلات الاستجمام، واقتناء الطرائف للمحيطين المقربين منها لا تكاد تنسى منهم أحداً، إذ بدماغها لائحة لهم بها سائر المعلومات، يكفي أن تذكر اسماً ما، حتى تتدفق ذاكرة تفاصيل حياته بإيجاز مستحضرة هواياته وما يسعده من مقتنيات، وإن زدت في الإلحاح، فإنها لا تتوانى في الانتقال إل الشط الآخر، شط الخصوم والمناوئين، ولا تتردد في أن تضم إليهم من قد ترى أنهم يستحقون أن يسموا أعداء. وتؤرخ لهم جميعاً وتتوسع في تفاصيل أهم نقاط الخلاف. امرأة كومبيوتر أو كالكومبيوتر! فإن غيرتُ زاوية النظر إليها، ودققت ملاحظة ما لها من سلوك وأخلاق، فيكفي أن أقول بدون مبالغة: إذا كان الكرم والتسامح والمحبة والتضامن والتكافل ومد يد العون، إذا كانت هذه كلها تشكل بحراً، فإن جدتي لأبي هاته تكوّن منها محيطاً! وقد أسعفَتْها العناية الإلهية، وكأنما هي ـ جدتي ـ لسانٌ يُملي والقدر يدٌ تنفذ! فهي إن قالت: كلّ ما تمنيته قد نلته، ثم رددت، ورددت معها الألسنة المحبة: والحمد لله! فما كذبت، وكانت حقاً من الصادقين. تحياتي
|
0📊0👍0👏0👌0💭 |