شكري
في أحد المدن الساحرة بجمالها وطبيعتها الخلابة بالمغرب كان يعيش شكري وعائلته الميسورة الحال البسيطة في طريقة معيشتها ..
عائلة أمازيغية عريقة معروف أهلها بمحافظتهم الشديدة على تقاليدهم وأيضا بالتزامهم الديني،أمه جزائرية لذلك كل عطلة يمضيها أين يقيم أخواله.
أم شكري(حدة):وهي تطلق زغرودة طويلة ..مبروك مبروك يا وليدي أخيرا تخرجت من الجامعة أخيرا ولدي أصبح أستاذ كبير ..ونزلت من عيناها دموع الفرح ..
شكري ضاحكا: كبير مرة واحدة خلي الأول أجد عمل ؟ وقبل رأسها هامسا هذا بفضل الله ثم بفضل دعاؤك انت يا جنتي ..ثم سكت وتكلم بنبرة حزينة..كم تمنيتت لو كان أبي معي في هذه اللحظة.
ضمته أمه بحنان وهي تردد رحمه الله رحمه الله..
وفجأة دخلت زهور وكلها فرحة مرة تقفز مرة تصفق ومرة ترقص بحركات عفوية وتقول اخيرا سيكون حفل في بيتنا كرهنا من الروتين الذي يتكرر..
وبدأت تعد أسماء قريباتهم وصديقاتها على أصابعها..ثم صرخت حتى مليكة ستأتي وونظرت لشكري وهي تبتسم بخبث ستفرح كثيرا لنجاحك..
شكري:مجنونة أنت أي حفلة ؟ لا أريد شيئ وبعد يومين سأسافر لبيت جدي بتلمسان اشتقت لجدتي ..
زهور معترضة:والحفلة؟
شكري: احتفلي انت وعقلك المجنون وضحك بقوة على ملامحها الطفولية الغاضبة.
زهور وهي ترى شكري أخوها الأكبر بمثابة الأب فكانت أخته المدللة التي لا يرفض لها طلب لكن أحيانا يقسو عليها من أجل مصلحتها .
تكلم بجدية: هذه الحفلات مضيعة للوقت والمال فقط وإن أردت الاحتفال فلنحتفل أنا وانت وأمي وباقي إخوتنا ..
أم شكري: هيا يا زهور للمطبخ ونفكر في الأطباق التي سنعدها..اتركي أخاك وشأنه ..وهومعه حق لا فائدة من هذه الحفلات ..سنفرح في حفل زواجه بإذن الله..
صرخت زهور بفرح زواجه بمليكة ابنة عمي ؟
التفت شكري لها بقسوة قائلا: من زرع هاته الأوهام في رأسك ..
لن أتزوج وأخبري ابنة عمك أن لا تنتظرني ..
تنهدت أمه بحزن وقالت: ربي يقدرلك الي فيه الخير يا ولدي.
أما زهور توسعت عيناها من الدهشة..وبدأت تكلم نفسها إذن ليس هناك أي علاقة بين أخي ومليكة؟
لماذا مليكة أخبرتني بتلك الأحداث؟ هل هي كاذبة؟ أم أن أخي استحى من أمي فغير الموضوع؟
أم شكري: تعالي ساعديني وتوقفي عن التصرفات الصبيانية لا تتدخلي في شؤون أخيك..هيا بسرعة..
أما شكري فقد عاد بأفكاره للوراء وللماضي التعيس لقلبه كما يسميه..
كان بعد عودته من الثانوية يذهب لمساعدة أبيه (الطاهر) رحمه الله في دكانه الخاص ببيع مواد غذائية متنوعة وخضر وفواكه ..
فذاك أفضل من أن يقضي وقته يتسكع هنا وهناك دون فائدة..فهو انطوائي وليس له أصدقاء كثيرون..
فكان رغم ميله وحبه لمادة الرياضيات يعشق الكتب ورائحتها ..فالمطالعة هوايته الأولى..فكل مرة يستعير كتاب من مكتبة الثانوية ومساءا يمضي وقته في ذكان أبيه يقرأه ..
حتى جاء ذاك اليوم بينما هو غارق بين صفحات كتابه ماجدولين للمنفلوطي أديبه المفضل حتى سمع صوت الجدة فاطنة جاارتهم :مساء الخير يا ابني كيف حالك وحال حدة(أمه)؟
شكري :لاباس جدتي فانة نحمدو ربي ونشكروه.
فاطنة:تفضل الورقة فيها قائمة المشتريات جهزها لي حتى تلحقني حفيدتي غيثة لتساعدني في حملها.
قفز قلب شكري لسماعه اسم البنت التي منذ أن رآها أعجبته ودخلت قلبه ،وقرر أن يدرس ويجتهد حتى يوم ما يستطيع خطبتها ..
غيثة حفيدة الجدة فاطنة أمها وأبيها هاجروا لفرنسا من أجل العمل وتركوها لتقوم جدتها بتربيتها ..
فهم لا يريدو لابنتهم أن تتربى وتكبر وسط مجتمع غربي لا دين له ولا ملة،فتتشرب عاداتهم وتقاليدهم ..لذلك تركوها وهي ابنة 5 سنوات ..
وكبرت غيثة وهي ترى في جدتها فاطنة كل عائلتها..
بينما شكري يجهز المشتريات للجدة سمع صوت ضحكات ليلتفت ليجد غيثة تكلم جدتها وتضحك معها..
لا يدري لماذا توقف للحظات وهو يتأمل تلك الملامح البريئة والجذابة..لا يدري ما نوع الإحساس الذي أحسه عندما رآها..
فقط أحس بشعور غريب أول مرة يحس به..انتبه من سرحانه على صوت الجدة فاطنة ..كم السعر يا ابني؟
أبعد عيناه عن وجه غيثة واستغفر بداخله وهو يلوم نفسه ..أين غض البصر يا شكري ..عيب أكلت البنت بعيناك..
دفعت الجدة الثمن وحملت غيثة القفة الثقيلة نوع ما ...وخرجت وهي لا تدري أنها لم تخرج وحدها..بل أخذت معها قلب شكري ...
وهكذا مرت الأيام وازداد تعلق شكري بغيثة دون أن يخبرها أو يخبر أحد ..فكان يحزن إذا لم تمر على دكانهم هي وجدتها..ويفرح عندما يراها من جديد..
كان عام شكري الأخير بالثانوية واجتهد وتعب حتى حان وقت حصد الثمار ...كان على رأس القائمة ..كانت فرحته لا تسعها الأرض...أما عائلته فكانت الزغاريد تملء البيت..وقررر الطاهر أبيه عمل حفلة فذبحوا الذبائح وقاموا بدعوة جميع الجيران للعشاء ...أما شكري زادت فرحته وهو يعلم بأن الجدة فاطنة لن تترك غيثة وحدها لابد أن تصطحبها معها لأي مكان تذهب له..فقرر أن يراها ليس لخلوة أو لفعل ما لا يرضي الله فهو رجل يخاف الله ولا يريد أن يفسد حبه العفيف بلقاءات محرمة..لكن قبل أن يسافر لمدينة أخرى للدراسة بالجامعة أراد أن يخبرها أن تنتظره ..لخوفه أن يتم خطبتها أو زواجها..خاصة من عاداتهم البنت تتزوج في سن صغير 17 أو 18 سنة..
كان يشعر بالخجل وهو يفكر كيف سيخبرها ..وماذا سيقول لها..وأهم شيئ كيف سيلتقيها دون أن يراهم أحد ....
اجتمع المدعوون النساء في بهو البيت والرجال في مجلس خارجي ..وكان شكري هو من يدخل للمطبخ حتى يخرج صينيات الأكل للضيوف ممن جاءوا لتهنئته (كسكسو بالخضار ولحم الخروف وطاجين اللحم بالبرقوق وحريرة وخبز بلدي)..وكل هدفه أن يلمح طيف غيثة ليكلمها ..لكن خاب ظنه ...وبدأ الضيوف يغادرون بيتهم ولم يبقى إلا القليل..وفجأة وهو يدخل لحوش بيتهم ليضع الأواني التي كانت بمجلس الرجال..سمع صوت يعرفه جيدا..غيثة وهي تتكلم مع إحدى بنات عمه وتخبرها أن تسمح لها بمساعدتها في غسل الأواني...
ابتسم بسعادة ...وتأكد من دخول ابنة عمه ومباشرة تقدم أمام غيثة..
أطرق وجهه بالأرض وهو يغض بصره وبسرعة دون مقدمات قال لها:
غيثة أتمنى أن تكوني حلالي وأم أولادي فإذا مافقة انتظريني حتى أكمل 4 سنوات بالجامعة وأتقدم لك..
لم تتفاجأ غيثة بكلامه فهي تعلم أنه معجب بها لكن لم تجد ما تقوله خجلا منه...حتى أعاد سؤاله..فابتسمت وهي تدخل للداخل وقالت له سأنتظرك..
في تلك اللحظات لا تسع الأرض شكري من شدة سعادته ...كان يوزع ابتسامات على الداخل والخارج ..
ويقبل الأطفال ويعطي لهذا الحلوى ويمازح هذا..الجميع ظن أن ذلك بسبب فرحته بالنجاح..ولا يعلمون أن قلبه وقع في حادث حب عفيف..
بعد أيام بدأت التسجيلات والتجهيز للجامعة ...لكن الفرحة لم تكتمل ..أصيب أبوه الطاهر بوعكة صحية شديدة جعلته طريح الفراش مدة يومين وفي اليوم الثالث توفي..
كانت الصدمة قوية على الجميع..وخاصة شكري فهو بكر والديه وكانت له مكانة خاصة عند أبوه..تحولت فرحته لحزن وألم ..
لكن هذه أقدار الله ولا يسعنا إلا الرضى بها رغم ما نحسه من ألم فقد عزيز علينا...
يتبع..
