
الفصل الأول
الحياة كالقطار يمر سريعا ولا يعود بنا للوراء،خلقنا الله لنعيشها في عبادة وفائدة،
نطمح للسعادة الأبدية لكن محال تحقيق ذلك،فنحاول التأقلم مع كل ظروفها الجيدة والسيئة لتستمر ونستمر،
والماضي هو ماضي علينا أن ننساه ونمضي قدما ولا نبقى سجناء لتجارب ومواقف وظروف مؤلمة كانت حاضرنا يوم ما .
هكذا بدأت نسرين أول سطور روايتها الجديدة وهي تتأمل غيوم السماء من شرفة غرفتها ..المطلة على البحر ..حتى سحرها ذاك المنطر..منظر التقاء قطرات المطر المتساقطة مع أمواج البحر الهائجة..ابتسمت وهي ترتشف آخر قطرات عصيرها المفضل ،ثم عادت براسها للوراء واسترخت على كرسييها واغمضت عيناها لتعود بذاكرتها للماضي البعيد..
حتى وان كانت طفلة ذاك الوقت لا تنسى أبدا ذاك الحزن الدفين في عيناي حنين التي التقت بها بأحد مستشفيات مدينة تلمسان وسمعت بعض قصتها..
ولن تنسى أبدا صوت أنين بكاء ياسمين عند شاطئ البحر بمدينة عنابة ..وأخبرتها ببعض ألمها ..ومستحيل تنسى عدة أحداث مؤلمة ..
نبض قلب أصحابها بالحب لكن أنهكه الألم والحزن... وقررت أن يكون هؤلاء هم أبطال مولودتها الجديدة.
حنين
كانت دائما تؤمن أنه رغم كل العقبات والظروف المؤلمة المحيطة بها ستصل يوم ما لأهدافها وتحقق كل طموحاتها،
وستجد السعادة بنفسها لتعيشها في راحة بال وصفاء ذهن،فهي تؤمن أنه بالتوكل على الله عز وجل ثم الإرادة والعزيمة ستتغلب على كل المصاعب وتفوز في الأخير بنجاحها.
كانت من عائلة بسيطة يكافح أفرادها من أجل لقمة العيش كغيرها من باقي العائلات بقريتها،تلك القرية المنسية كما سمتها حنين وكأنها لا تنتمي للمدينة التابعة لها،مازالت تفتقر لأدنى ظروف الحياة التي هي من حق المواطن،فكل من يترأسها بتعاقب السنين يكون فقط من أجل خدمة نفسه وأهله ،فتجده ينهب بنهم أموال الشعب ليرتقي بها للأعلى تحت شعار هذا من حقي ولا أحد يعترض،ولا يدري أنه وصل للقمة بمال حرام منهوب وبأساليب محرمة من رشاوي وأكل مال الغير بالباطل،لا يدري المسكين أن نشوته ولذته الدنيوية لن تدوم،فالموت يناديه كل يوم وعند رب العباد سيقف ويُحاسب على كل صغيرة وكبيرة،هؤلاء كانت تراهم بؤرة فساد وسبب تخلف التنمية عن ركب التطور بقريتها الصغيرة،رغم صغر سنها فعقلها أكبر بكثير من عمرها ،لكنها تدرك أنه ما باليد من حيلة لتدافع عن حقوقها وحقوق غيرها المسلوبة قهرا من أصحاب البطون الكبيرة المليئة بالمال الحرام.
فهي تدرك أنه لتغير قومك عليك أن تغير نفسك أولا أو لم يقل عز وجل:{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
فبدأت رحلة التغيير من نفسها فقد أدركت أن هذه الدنيا زائلة لا محالة وما هي إلا دار عبور لدار المقر والخلود الجنة بإذن الله،وعليها أن تشغل وقتها بكل ما هو مفيد،كانت محافظة على صلواتها ملتزمة بأوامر ربها قدر استطاعتها لا ترضى بالمنكر ولا تعين غيرها على ارتكاب المحرمات،بدأت في حفظ كتاب الله العزيز،فقريتها أغلب سكانها جاهلين بدين الله متعلقين بالشركيات بعيدين عن طريق الله عز وجل،فتلقت صعوبات عديدة بداية من عائلتها عانت الكثير والكثير وذنبها الوحيد أنها تخاف الله وتسير وفق قاعدة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولو كانوا أحد الوالدين،مهما تخبرهم بالصحيح إلا أن عقولهم مغلفة بغلاف الجهل وقلوبهم أشد قسوة من الحجر لا تعي ولا تفقه شيئا،ورغم الأذى الذي أحاط بها من كل جانب ومن أقرب الناس لها إلا أنها قوية بايمانها ولم تتأثر بكلمات الاستهزاء من طرف عائلتها وأيضا معظم أهل قريتها،فكما يقول ابن القيم رحمه الله:عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين، فكانت تبتسم وتردد في قلبها ربي ثبتني على دينك واهدي أهلي وجميع المؤمنين لطريقك المستقيم.
حاربت من أجل مبادئها رغم معاناتها وسط مجتمع يراها غريبة، إلا أنها صبرت واحتسبت الأجر وكان كل من يؤذيها ترد عليه بالإحسان والمعاملة الطيبة وتردد بداخلها كان الاسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء،كانت انسانة متواضعة طيبة القلب منظمة في حياتها قوية بذاتها تبحث دائما عن الأسمى لتصل إليه وتترفع عن سفاسف الأمور والتفاهات،شغوفة بالكتب فهي تدرك أن المطالعة والقراءة هي غذاء الروح ورغم الفقر وقلة اليد من أجل شراء الكتب، إلا أنها كانت تسعى دائما لاستعارة الكتب من مدرستها أو أحد زميلاتها،ولها عدة كتابات وخربشات وخواطر فهي تعتبر القلم والدفتر أصدقائها الذين تثق فيهم ثقة عمياء،فتارة تفضفض وتارة تعبر عن مشاعرها ومرات تكتب لغيرها وعن غيرها ممن يعانون الألام والفقد والحزن وحتى الفرح والسعادة.
عند وصولها للمرحلة الثانوية كثفت جهدها وتسلحت بالعزم والإرادة لتحقيق التفوق ونيل أعلى الدرجات،كانت طالبة مؤدبة خلوقة كل أساتذتها وزملائها يشيدون بذلك،اختارت طريق العفة فرأس مال المرأة الحياء وعرضها النظيف،فلم تكن تخالط الذكور من زملائها ولا صديقات السوء فهي تعي أن الصاحب ساحب،فكانت لديها صديقات قليلات لكن مثلها وكانت ياسمين صديقتها المقربة لها،ولأنها تعلم أن العلاقات الغير شرعية محرمة فإنها كانت تصد كل عابر سبيل يريد التسلية بقلبها ثم تركها حطام مبعثر وضحية لعلاقة محرمة تكون هي الوحيدة الخاسرة فيها،فقد كانت تدعو الله أن يحفظ قلبها ليتذوق الحب الحلال ،وأن يجنبها كل طريق له بالحرام.
يتبع
