[حياة جديدة] 💓 {أنا و أختي} و {علي بو} 💓 مسابقة القصة المشتركة - الجولة 1
آخر
الصفحة
علي بو
  • المشاركات: 908
    نقاط التميز: 572
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
علي بو
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
المشاركات: 908
نقاط التميز: 572
معدل المشاركات يوميا: 0.1
الأيام منذ الإنضمام: 6335
  • 14:45 - 2020/07/02

نتمنى لكم قراءة ممتعة


حياة جديدة


بدأت أمينة جولتها في الميتم رفقة المديرة وعيناها تتفرسان باهتمام الوجوه الصغيرة لنازليه، كانت ترغب بتبني رضيع لا يتجاوز عمره السنة. قرار جاء بعدما لم تشأ الاقدار أن تتكون حياة في رحمها لسبع سنوات من زواجها، سبع سنوات كاملة انتظرت فيها معجزة من الله أن ترزق بطفل لكن مع الأسف طال الانتظار وولى زمن المعجزات.
كانت طوال الوقت تتأمل كل واحد منهم وتبحث عن شيء يجذبها نحو أحدهم. أتمت جولتها و لم تجد الشعور الذي كانت تبحث عنه، إنها تؤمن أن قلبها سيدلها على من سيكون صغيرها فترعاه بحب عظيم، لكن على ما يبدو ليس في هذا الميتم من ستختاره فلذة لكبدها.
وهي تهم بالخروج من الغرفة دخلت المربية تحمل وليدا يبكي بصوت ضعيف، فما إن مر من أمامها حتى تغير نبض قلبها ! التفتت تتابع خطوات حاملته إلى أن وضعته على سرير ثم همت بتغيير حفاظه، اقتربت منه تنظر إليه فزادت سرعة نبضات قلبها، مما أكد لها أن هذا هو من تبحث عنه، هو من سترعاه وتقوم بشؤونه و تكون له أما محبة. فهتفت بسرعة:
- أريد أن أتبنى هذا الصغير !
نظرت المديرة إليه وقالت:
- هذا عمر، طفل ولد قبل أسبوع، تركته أمه في المستشفى وهربت، تبين بعدها أنه مصاب بتشوه خلقي في قلبه، تلزمه عملية معقدة و سيكون الأمر مكلفا لك ماديا ومعنويا، فأنت حديثة عهد بالأمومة و ليس أمرا هينا رعاية طفل مريض، في حين أن باستطاعتك اختيار واحد من الرضع الأصحاء هنا.
حزنت لأجله، أي نعم قولها صحيح بأنها حديثة عهد بالأمومة لكن الأمومة ما هي إلا حب وعطف ورعاية. فتساءلت في نفسها' لمن أترك هذا الصغير المريض؟ لميتم سينتظر التبرعات والجمعيات ليمكن من علاج مرضه؟ ماذا إن تعذر ذلك أسيتركونه للموت بلا تردد؟'
رفضت الفكرة تماما، فقلبها تعلق به لدرجة أنها ما عادت تعتبره غريبا عنها بل صار قطعة منها باتت تهتم لحاله من اللحظة.
تبادر لذهنها وضعهم المادي، فهم ليسوا ميسورين لدرجة رعاية طفل مريض بالقلب، لكنها تعلم جيدا أن زوجها ما كان سيتخلف عن رعاية ولده إذا قدر الله له المرض مثل هذا اليتيم.
استأذنت المديرة لتتصل بزوجها. وما إن رد على اتصالها حتى قالت:
- وجدت ما أبحث عنه، لكنه مريض. أؤمن بأن الله ما دام قد سخرني له وأمال قلبي له، إلا و أنه سيرزقنا بما سنستطيع به للتكفل بمصاريف مرضه.
ابتسم لقولها، فإيمانه ليس بأقل من إيمانها، فقبل بصدر رحب، فاتجهت صوب المديرة وقالت بحزم:
- أريد ان أتبنى عمر.
حاولت المديرة إقناعها بالعدول عن قرارها، لكن أمينة تمسكت برأيها مما جعل المديرة ترضخ أخيرا وتبدأ بالإجراءات.
بعد ساعة غادرت أمينة الميتم وهي في غاية السعادة، فبعد ثلاثة أيام ستستطيع أخذه للمنزل. كانت طول الطريق تدعو الله أن يمد في عمره ويحفظه.

 


دخلت أمينة الشقة فلاحظت أنها غارقة في ظلام دامس، كانت جميع الأنوار مطفأة و كل الستائر مسدلة فظنت بذلك أن أحمد زوجها نائم على غير عادته في ذلك الوقت المبكر من الزوال. أغلقت الباب وراءها برفق و أبت أن تضيء الأنوار، تحسست طريقها نحو غرفة النوم فلفتت انتباهها حركة صادرة من المكتب فاقتربت من بابه و فتحته لتجد أحمد جالسا على مكتبه يحيط به نور خافت أصفر ينساب ذهبيا من مصباح عتيق. رفع أحمد بصره نحوها و في وجهه مزيج من دهشة و فرح، كان يشعر بفرح صادق لرؤيتها، لكنه بدا و كأنه لم يتوقع عودتها في ذلك الوقت. دس بسرعة في درج المكتب ورقة كانت في يده ثم وقف ليستقبلها. دار حول المكتب و اقترب منها فأمسكها من يدها التي كانت لا تزال تمسك بمقبض الباب و جرها إليه حتى التصقت به في حركة رشيقة تشبه الرقص و نظر إلى عينيها بحنان و سألها :
- أين الطفل ؟ لماذا لم يأت معك ؟
أجابته شبه ساهمة كمن لا يعي شيئا مما يحدث حوله :
- سوف أحضره بعد ثلاثة أيام، فالأمر يحتاج لبعض الإجراءات و توقيع بعض الأوراق...
قطعت كلامها و نظرت إليه لثانيتين ثم اختفت نظرتها الساهمة و استحالت إلى نظرة جدية فأضافت و هي تقطب حاجبيها :
- أنت أعلم مني بكل هذه الأمور لكنني لا أدري ما الذي أصابك !
لم تكن قد رأته على تلك الحال منذ أيام خطوبتهما، كان يشع حيوية و شبابا، بل كان أقرب في حركاته و نظراته إلى مراهق، و هو شيء و إن كان يدعو إلى السرور إلا أنه قد أدهشها، فقد أخبرته أن الطفل مريض و كانت تتوقع منه أن يأتي على ذكر هذا الموضوع فور رؤيتها، فهذا التفصيل بمثابة مشكلة، بل هو مشكلة حقيقية و صعبة، و قد اعتادا طوال سبع سنوات على مناقشة مشاكلهما معا و العمل عل إيجاد حل لها.. لكن ها هي ذي تراه لا يسألها سوى عن الطفل متحرقا لرؤيته و يسألها عن موعد إحضارها له.
هتف بعد أن أفلت يدها و عاد يجلس إلى مكتبه :
- ثلاثة أيام ؟ لا بأس.. لا بأس.. بوسعي أن أقاوم بقائي من دون نوم هذه المدة من دون مشاكل.
أجابته بدهشة شديدة :
- تبقى من دون نوم ؟!
فرد بجدية:
- طبعا ! لن أنام حتى أرى الطفل و أحضنه..
- و أنا التي ظننتك نائما بعد أن دخلت ووجدت كل الأنوار منطفئة !
صاح و قد اختلط صوته بضحك مجنون :
- أنام ؟! كيف لي أن أنام بعدما أخبرتني به في الهاتف عن الطفل !
ردت و قد جلست على مقعد أمام مكتبه :
- و أنا التي ظننت أنني أعرفك الآن حق المعرفة بعد كل هذه السنين !
فأجابها بحنان و قد مد إليها يده فمدت بدورها يدها نحوه فأمسك بها :
- بلى يا حبيبتي.. بلى، أنت تعرفينني أحسن من معرفتي بنفسي، لكنني أنا لست أنا بعد الآن، بعد مجيء هذا الطفل ! آه يا حبيبتي لو تعلمين كم انتظرت هذه اللحظة ! لن يغمض لي جفن حتى أراه ! لن أستطيع أن أنام !
- تعالى معي غدا لنزوره فتراه و تستطيع النوم بعدها..
شد على يدها بقوة أكبر و أجاب :
- قد تعتقدين أنني أحمق بعد قولي هذا، لكنني سوف أخبرك به على كل حال. أنا لا أريد لصورة الطفل في الميتم أن تحتل ذاكرتي، لا أريد أن أشعر يوما بأنني تبنيته، سوف أقتنع اقتناعا تاما بأنني قد أنجبته من صلبي. سوف تأتين بالطفل يا أمينة حبيبتي و تدخلين من هذا الباب تحملينه، سوف تحضرينه من الميتم كما تحضر أي أم طفلها إلى هذا العالم، فليكن الميتم لرحمك بديلا ! لا أحفل لكل هذه الأمور، كل ما أريده هو رؤيتي لك و أنت تحضنينه أمامي و تغمرينه حنانا فأغمركما بدوري أنتما معا بحبي الذي لا ينتهي...
نظرت إليه دقيقة و قد افتتنت بكلامه ثم سألته و قد استلت يدها من يده :
- قلت أنك انتظرت هذه اللحظة كثيرا، لماذا إذن لم تقترح تبني الطفل منذ البداية ؟ لقد أخبرنا الطبيب منذ مدة طويلة أن لا سبيل لنا للإنجاب و لم تخطر ببالي أنا فكرة التبني إلا مؤخرا فأخبرتك بها على الفور فوافقت بشرط أن أهتم أنا بالعملية كلها..
استند إلى الوراء على كرسيه و نظر إلى السقف لبرهة ثم قال :
- ظننت أنني سوف أغضبك إن أنا اقترحت عليك تبني طفل غير طفلك و أنت التي كانت تبحث عن حلول للإنجاب في الطب و الطب البديل.. لم أعتقد أن فكرة التبني لم تخطر ببالك قط، بل ظننتها خطرت لك و رفضتها، حتى أنني لم أجرؤ على مناقشتك في هذا الموضوع...
ظهر على وجهها الاقتناع فنهضت و دارت حول المكتب و وقفت وراءه فطوقت عنقه بيدها من الوراء في حنان بالغ و مالت على أذنه و همست :
- أنت تدري أن الطفل مريض ؟ مريض جدا !
فأمسك بمرفقيها و أدارها و رفعها و أجلسها على المكتب أمامه حتى أخذت قدماها تتدليان منه و قال :
- دعيني أخبرك شيئا.. لا شيء في حياة الزوجين أجمل من إنجابهما لطفل هو ثمرة حبهما، و أنت تعلمين أن خير ما في الشجرة ثمارها.. لكنه في الوقت، أقصد الإنجاب، أصعب شيء على الإطلاق، فهما يعيشان خلال تلك الأشهر التسعة من الحمل جميع أنواع الخوف و القلق، يخافان من فقدان الطفل كل يوم، يخشيان حركة خاطئة قد تودي بحياته و حياة أمه أيضا لا قدر الله، حتى عند نومهما يقلقان، و حين يصل موعد الولادة يتمنيان أن يولد في صحة جيدة و أن لا يمسه مكروه، ناهيك عن ألم الولادة الذي تقاسيه الأم و الذي لا يمكنني تصوره أو وصفه.. و أما في المقابل، فالتبني شيء يسير ليس فيه ألم أو معاناة، كل ما في الأمر أن هناك أوراقا يجب أن توقع و تسجل و يصادق عليها و مبروك عليكما الطفل الذي لم تفعلا شيئا من أجله لتستحقاه. أما في حالتنا هذه يا أمينتي العزيزة فقد قدر لنا أن نذوق طعم ولادة الطفل و نحن نتبناه، فهو طفل مريض يجب أن نرعاه و نبذل الغالي و النفيس ليشفى و هذا شيء صعب و مؤلم، سوف نذوق يا حبيبتي أشد أنواع الألم. ألم لذيذ ستأتي بعده فرحة عارمة حين يكتب له الشفاء، فرحة شبيهة تماما بتلك التي يشعر بها من رزق بطفل له و منه.
عقد لسانها فلم تدري ما تقول فقفزت من المكتب و توجهت نحو الباب و قالت أخيرا و هي تغالب دمعتها :
- سأحضر العشاء، سوف أذيقك الليلة طعاما شهيا لم تذق مثله أبدا.
خطت خطوتين ثم التفتت إليه و هو لا يزال يراقبها بابتسامة خفيفة تزين شفتيه :
- أحمد الله كثيرا أن وهبني زوجا مثلك.
ثم انصرفت و أغلقت الباب...

 


 


مرت الايام الثلاثة بسرعة، فلم تكل أمينة من التوجه للميتم كل يوم لترى عمر لدقائق وتطمئن على حاله.
وها هي ذي اليوم متأهبة في مكتب المديرة تنتظر أن يحضروا عمر إليها، كانت ستضمه إلى صدرها لأول مرة بدل النظر إليه عن بعد. إحساس لطالما تخيلته ستستطعمه اليوم أخيرا.
بعد لحظات دخلت المربية بلا استئذان إلى المكتب وهي تصيح:
- عمر يا آنسة ! عمر !!
ردت المديرة بفزع وهي تهرول خارجة ترافق مناديتها لغرفة الرضع '' ماذا حدث؟ ''، تاركة امينة في ذهول لا تقوى قدماها على حملها، ارتمت على الكرسي ترتجف وتردد:
- سلم يا رب، سلم يا رب.
وما هي الا دقائق معدودة حتى عادت المديرة تجري، وتناولت هاتفها لتطلب سيارة الإسعاف. حاولت أمينة تمالك نفسها وقالت بوهن ما إن أنهت المديرة اتصالها :
- ما به ابني؟
ردت عليها بحزم:
- أخبرتك أن ليس من السهل تبني طفل مريض. لقد ازدادت حاله سوءا، وعلينا أخذه للمشفى حالا.
اخذت بعض الأوراق وأتمت وهي تمدها لها:
- الأوراق مكتملة وهو الآن في أمانتك. ما إن تأتي سيارة الاسعاف حتى ترافقيه للمشفى.
تناولتها أمينة وهي لاتزال لا تدرك ماذا يحدث. أحست المديرة بشجنها فاقتربت منها ووضعت يدها على كتفها وقالت بهدوء:
- تمالكي نفسك، هذه النوبات تأتيه بين الفينة والأخرى، لكن حاله في هذه اللحظة أكثر سوءا. توقعي الأسوء ! واصبري واحتسبي، يكفيك أجرا عظيما عدم تركك له وحده دون أم تبكي على فراقه.
انتفضت أمينة من مكانها وصرخت باكية:
- لن يحدث له شيء ! اعلم هذا لن يحدث له شيء !
ردت المديرة بنبرة يائسة:
- خير إن شاء الله.
حضرت سيارة الإسعاف، وقاموا بأخذ عمر نحو المشفى ترافقه أمينة، التي أجابت بكل ثقة عندما سألها الطبيب عن هويتها وهي تهم بالصعود للسيارة:
- أنا أمه.
كانت طوال الطريق تنظر إليه، صار لونه أزرق و كان يتنفس بصعوبة، أدركت قول المديرة، لكنها نفضت ذاك الاحتمال ورددت في نفسها بأمل '' سيشفى، سيشفى'' بدأت تدعو والعبرات لا تفارق خديها.
حين وصلوا أخدوه نحو غرفة الانعاش، فاتصلت بزوجها تدعوه للقدوم.
حضر أحمد على عجل، وما إن لمحها حتى صاح مهرولا نحوها:
- مابه عمر؟ ماذا حدث؟
في تلك اللحظة، خرج الطبيب متوجها نحوهما وقال مخاطبا أمينة:
- أنت أم عمر؟
أشارت بالايجاب لا تقوى على الكلام، ودقات قلبها تكاد تتوقف من هول ما سيصرح به.
قال الطبيب:
- الحالة حقا حرجة، ويجب إجراء تدخل جراحي سريع، ان كان الأمر ليس بالعسير ماديا بالنسبة لكما فسننزله لغرفة العمليات حالا.
أجاب أحمد بسرعة:
- قم باللازم يا حضرة الطبيب، هو في أمانتك الآن.
أشار الطبيب بأن سيفعل، ثم عاد من حيث أتى. فتوجهت أمينة لزوجها بالسؤال:
- لكن.. النقود.. ؟
قاطعها أحمد بثقة:
-ربك مدبر حكيم، سأغادر الآن. وافني بالتفاصيل، اتفقنا ؟
غادر أحمد صوب المنزل مباشرة، توجه نحو مكتبه وأخرج صكا من خزنته وقصد البنك مسرعا قبل انتهاء الدوام. سحب مبلغا من المال وعاد للمشفى.
وهو جالس قربها ينتظر قرب غرفة العمليات، لمح وجه أمينة الذي صار شاحبا تغمره العبرات، فقرر التنفيس عنها فقال:
- أتذكرين قولي لك عن لحظة انتظار الولادة وتذوق طعمها؟
أومات برأسها إيجابا فأكمل:
- هذه هي اللحظة يا أمينة. إن شاء الله سيخرج سالما معافا ونفرح بولادته معا.
ابتسمت أملا، فمسح الدموع على وجنتيها وردد مازحا:
- دول دموع الفرح يا نينة.
ابتسمت بوهن ثم أسدلت رأسها على كتفه وقالت تخفي عبرات أسخن من سابقاتها:
- لم أحمله في حضني ولو مرة يا أحمد.
أحس بحسرتها فرفع رأسها وقال بجدية:
- ستحملينه، تفاءلي، ألم تقولي لي أن الله قد سخرك له ؟ إن شاء الله قد كتب له عمر مديد إذ سخرنا له.
اقتنعت بقوله، وتمنته أن يكون حقيقة. ثم انتبهت لأمر المال وسألته:
- كيف سنحل أمر النقود يا أحمد؟
ابتسم وقال بفخر:
- حل أمرها لا تقلقي.
نظرت له باستفهام، فقرر مصارحتها بالأمر فقال:
- قبل يومين بعت الأرض التي ورثتها عن أمي. تعلمين كان ابن عمي يريد شراءها بشدة، و كانت نقوده لها جاهزة.
ردت عليه بأسى:
- و أعلم أيضا أنك قد رفضت عرضه مرارا لأنك تريد تسخيرها لبناء بيت لنا نقضي فيه أيامنا في الريف بعد تقاعدك بعيدا عن زحمة المدينة وصخبها.
ابتسم وقال:
- كان هذا قبل أن نرزق بطفل، أما الآن فسنقضي أيام التقاعد معه في المدينة التي سيتابع دراسته الجامعية فيها.
تلالأت عيناها بهجة لمجرد تخيل الأمر، وقالت مقبلة يده:
- حفظك الله لنا يا زوجي العزيز.
فقبل جبينها وقال:
-وحفظك لنا يا زوجتي العزيزة.
وضعت رأسها على كتفه، وألقت الهم وراء ظهرها وصار لسانها يدعو خيرا لهم جميعا.

 


 


ظل أحمد طوال مدة العملية يذرع الممر جيئة و ذهابا و هو عاقد يديه خلف ظهره، بينما ظلت أمينة تنظر إلى باب غرفة العمليات بوجه شاحب ولسان لاينفك يدعو لصغيرها بالنجاة.
بقيا على هذه الحالة ثلاث ساعات بدت لهما كأنها ثلاثة قرون، خرج عليهما الطبيب أخيرا يبشرهما بوجه تعلوه ابتسامة صادقة، قال :
- تهاني لكما، لقد نجحت العملية نجاحا كاملا و لله الحمد، عمر طفل قوي ماشاء الله عليه، و قد ساعدنا بقوته عندما واجهتنا بعض التعقيدات.
أضاف مطمئنا بعد أن عاد القلق ليمحي ملامح الفرح الذي ملأ قلب أمينة بالخبر :
- لا تقلقي يا سيدتي، فالعمليات جميعها لا تخلو من تعقيدات، و قد استطعنا التغلب عليها بسبب قوة عمر كما ذكرت لكما، يبدو أنه كتب له عمر مديد إن شاء الله.
ابتسم الوالدان في رضى وهما يحمدان الله على كرمه، وقبل أن يستأذنهما الطبيب بالانصراف قالت له أمينة متضرعة:
- أرجوك دعنا نراه ولو لدقائق.
فأجابها:
- هو الآن لا يزال تحت تأثير المخدر، سيخرجونه لغرفة الانعاش بعد أن يستيقظ، تستطيعان رؤيته حينها عبر الزجاج. فعمليته كبيرة وتلزمه عناية ومتابعة مشددة.
فقال أحمد ممتنا :
- شكرا يا سيدي الطبيب على مجهوداتكم مع ابني، سنسر برؤيته ولو عبر زجاج. يكفي أن يصير بصحة جيدة.
ابتسم لهما الطبيب وقال قبل أن يهم بالمغادرة:
- إن شاء الله. إن احتجتما لشيء لا تترددا في زيارة مكتبي.

 

بعد أن أخذ عمر لغرفته، اتجه الوالدان بلهفة للممر المقابل لغرفته وظلا ينظران إليه عبر الزجاج بشوق كبير. كان عمر نائما و قد وصل جسده الضئيل بأسلاك عديدة إلى جهاز إلكتروني لقياس مؤشراته الحيوية. سرت في جسد أمينة بعد رؤيته رعشة باردة استشعرها أحمد و قد كان يضع ذراعه حول كتفها فقال مطمئنا :
- اطمئني أيتها الأم الحنون فطفلنا عمر سيصير بأفضل حال. سيعيش بإذن الله حياة طبيعية كباقي الأطفال، سوف يمرح و يلعب و يركض و يمارس كل الرياضات التي يحبها، و سوف يحبني أنا و أنت و ربما فتاة جميلة فيما بعد...
و ضحك فضحكت معه ضحكة متشنجة فقد كان لا يزال في نفسها بعض القلق فأضاف مؤكدا :
- أنظري إلى طفلنا الجميل، لقد اختفت الزرقة التي أخبرتني عنها، أصبحت بشرته وردية جميلة كأزهار الربيع.
فشدت أمينة على يده و قالت راضية :
- أجل لقد تحسن لون بشرته تماما بعد العملية، اتمنى أن يخرج ملاكي الصغير من هناك بسرعة.
ثم التفتت إلى زوجها وقالت:
-شكرا لك يا أحمد على كل ما فعلته من أجلنا.
فأجابها مبتسما :
- لم أفعل سوى واجبي كأب تجاه ابني الذي ولد اليوم، نعم لقد ولد عمر ابننا اليوم و في هذه اللحظة فقط، و أعدك أننا سنحتفل بعقيقته قريبا و ندعو كل الأهل و الأصدقاء فنفرح و نمرح و نحتفل سعداء شاكرين هذه النعمة التي رزقنا بها بعد صبرنا الطويل.
ابتسمت أمينة في دلال وقد أحبت فكرة العقيقة و الإحتفال "بالمولود الجديد" و تضاعف حبها لزوجها البطل أضعافا كثيرة لا تحصى.

 

 

ظلا طوال أسبوع يقفان في المرر في فترات الزيارة صباحا ومساء يسند كل منهما الآخر يراقبان طفلهما راضيين بتحسن حاله كل يوم. حتى جاء الموعد المنتظر، موعد خروجه من المستشفى. 


مكث الأبوان قرب باب الانعاش ينتظران الطبيب أن يخرجه إليهما، كانت دقات أمينة تتسارع، ها قد حانت اللحظة التي لطالما انتظرتها منذ سنوات، وما هي إلا برهة حتى خرج الطبيب يحمله، و ما إن مده إليها لتحمله حتى سرت في جسدها رعشة باردة. فتحت ذراعيها وأخذته منه والدموع محتقنة في عينيها و ما إن انحنت عليه تشم عبير بشرته حتى تحررت العبرات الحارقة من مقلتيها لتجد سبيلها على خديها، مكثت تشمه وتقبله وتضمه لصدرها لدقائق فصاح أحمد مازحا بعد أن فقد صبره:

- دعي لي القليل من عبيره يا امرأة !

ضحكت فمدت إليه الصغير وعيناها لا تبرحانه وهي تردد:

- على مهل يا أحمد، أمسكه جيدا حتى لا توقعه.

فصاح فيها:

- كفاك خوفا يا امرأة دعيني أستمتع باللحظة.

قبله أيضا ومرغ أنفه في عنقه يستنشق عبيره، ولسان حاله يحمد الله على كرمه ويدعو لابنه بطول العمر.


خرجا من المشفى لا تسعهما الدنيا فرحا بحياة جديدة اتخذا نبضها أملا و بهجة ما تبقى لهما من العمر.


_النهاية_


 [حياة جديدة] 💓 {أنا و أختي} و {علي بو} 💓 مسابقة القصة المشتركة - الجولة 1
بداية
الصفحة