مختبر الحي القديم ~ خاص بمسابقة القصص المشتركة.~
آخر
الصفحة
رقية عبد الرحمن

  • المشاركات: 8438
    نقاط التميز: 4319
مشرفة سابقة
رقية عبد الرحمن

مشرفة سابقة
المشاركات: 8438
نقاط التميز: 4319
معدل المشاركات يوميا: 2.1
الأيام منذ الإنضمام: 3927
  • 23:43 - 2017/04/18

 لا أصدق أن بوادر النحس قد استيقظت من سباتها العميق! فكل ما كنت أخشاه صار في طريقه إلى التحقق، وكأن أحدا قد وقع مؤامرة مضايقتي في الخفاء.

 

 

 

لم أكن أفكر أبدا أن أكون إحيائياً، كيف لمحترم مثلي أن تلامس يداه كل ذلك القرف؟!!

 

 

ثم إن رائحة الدماء عفنة، وتصيبني بالغثيان كلما تسللت إلى أنفي. الحقيقة أني فاشل، نعم جد فاشل، أرتعب

 

 

حتى إن وخزتني شوكة صغيرة في أصبعي. لست أتحمل رؤية اللون الأحمر أبدا.

 

 

قد ينجذب معظم البشر للجوري وشقائق النعمان، أما أنا فيخيل لي وجود شبح بتلك الألوان. نعم شبح يترصدني كلما تأملتها، يتجسد لي في ملابس الملأ أيضا

 

 

وأقلامهم الحمراء، وها هو ذا يطاردني هنا في المخبر أيضاً، يا إلهي أي حظ عاثر هو هذا! كيف السبيل للحصول على شهادة التخرج هكذا؟؟ وكيف سأباشر عملي بعد ذلك؟!

 

 

فحالي هذه تماما كمن وقع ضحية للغول الذي في قصص الأطفال، بمجرد التفكير بغريمي الأحمر تتسارع نبضات قلبي

 

 

وتتعرق يداي ثم ترتعش ساقاي فأود أن أحمل نفسي وأركض  نحو باب الخروج قبل رقصة الإغماء.

 

 

قرأت مرة مقالا حول الهيموفوبيا في مجلة علمية، وقد ذكر فيه أنه يجب على مرضى الرهاب أن يتغلبوا على مخاوفهم بالرفع من حدة التوتر بالتدريج،

 

 

فزادت ثقتي بنفسي بعض الشيء، ورأيت أنني قادر على مجاراة خوفي، بالتأكيد لست جبانا إلى ذلك الحد. صحيح أنني بطريقة ما كنت أتحاشى

 

 

 

 

 

سحب العينات الدموية وإجراء التجارب عليها لكن لست جبانا أبدا، ولإثبات ذلك تحججت بالتحضير لمذكرة التخرج حتى أجري بعض التجارب

 

 

على الضفادع في المخبر عازما على فعل ذلك دون مساعدة من أحد. أعلم أنني أهل لذلك،

 

 

ثم إن جميع زملائي يثقون بقدرتي على تجاوز تلك العوائق المهددة لمستقبلي   أمر عظيم!

 

 

في اليوم الموالي كانت الأمطار تتهاطل رذاذاً وقوس المطر يزين السماء، رغم احتوائه على ذلك اللون أيضا، إلا أنه الوحيد الذي لا يصيبني بالرهبة، كنت مستمتعا بمشاهدة ذلك السحر!

 

 

توغلت في الغابة واتجهت نحو وادٍ صغير، حتى أظفر بضفدع أو اثنين، وأخذت ألاحق تلك الكائنات الشقية، حتى امتلأت ملابسي بالوحل

 

 

وكذلك أطرافي، لم أحصل على واحد إلا بعد انقضاء ساعة وربع تقريباً، "كن لطيفا أيها الصغير ستكون ترياق النحس الذي أصابني''،

 

 

حجزته في وعاء محكم الغلق والتهوية وعدت به إلى المخبر أترنم بألحان النصر، وأرسم خطةً للعمل في آن واحد.

 

 

ارتديت القفازات بكل ثقة، وحضرت جميع الوسائل التي تلزمني. أتيت بالمخلوق الأخضر، خدرته بواسطة الكحول وثبته

 

 

على ظهره بواسطة الدبابيس في لوح التشريح أتيت بمقص وملقط وشرعت في شقه ويداي ترتعشان، وإذا بالضفدع يتحرك، وتتصاعد منه

 

 

سحابة ضبابية قانية رميت كل شيء فوراً وتراجعت إلى الوراء مذعوراً وروحي تصارع من أجل البقاء كمن علق بين الأرض والسماء،

 

 

 فجأة وكأني في دائرة مغلقة ودخان أبيض يلتف حولي، وجدت نفسي محاطاً بأجمل نساء الكون، كل واحدة منهنّ تحاول إرضائي.

 

 

هذه تلمس وجنتي، وأخرى يداها على صدري وابتسامة جعلت من وجهها شمساً تحيد غيوم السماء عن جنباتها، وتلك تمد يدها نحوي، وأنا المذهول المندهش،

 

 

لا أدري أين أنا، ولا ما الذي أصاب ضفدعي، كنت في قاعة كبيرة بها إنارة في كل مكان، يتوسطها مسبح، في قنواته الأربع جرار يخرج منها ماء،

 

 

وحورية تسبح بكامل ملابسها تبتسم لي وتناديني أن أكون بجوارها، لم ألتفت لمن هن حولي وركضت نحوها ،

 

 

كانت أجمل مخلوق رأته عيناي، رميت نفسي قربها ونسيت الضفدع والمخبر، ونسيت خوفي، كانت حواسي متعلقة بها وحدها تلك البهية الشهية.

 

 

شعرت أني ك "توم كروز " ،أنا الذي ما أحسست يوما أن هناك من قد تعيرني نظرة، ولو سهوا، للأمانة لست وسيما ولا أشبه ممثلا سينمائيا ،

 

 

كان الخجل رفيق دربي وزادته نظارتي السميكة بشاعة, وصوتي الذي يجبر من حولي أن يسد أذنيه، لكني هنا محاطٌ بكل أصناف الورد،

 

 

في حديقة جمعت كل الألوان، أحسست بأهميتي، برجولتي، كنت أتخبط في الماء وتذكرت أني لا أجيد السباحة، لكن يا لدهشتي، كأني ولدت في البحر،

 

 

رأيتني أجدف بكلتا ذراعي، ألاحق تلك الحورية الجميلة ،أسمع رنين ضحكتها وهي ترش بكلتا يديها وجهي

 

 

الذي تسبقني فيه شفتي كي تلمس خدها، كان كل ما بي مبتلاً وأنا أهديها أجمل ابتساماتي ،كنت أحس بأن شفتي ممددتين نحوها كي أنعم بملمسها.

 

 

في داخلي كنت أعرف أن منها تفوح رائحة الخوخ، لا أدري لمَ الخوخ بالذات، لأنه فاكهة النساء، أو لأني أعشقه ورائحته، كنت أصارع للوصول إليها،

 

 

شفتاي لا زالتا ممدودتين وذراعاي تتخبطان حول ساقيّ، سروالي مبلل والماء إلى عنقي،

 

 

 لحظة فقط  وسأنتهي في حضن الجميلة، فجأة، وكأني أغرق، لم أرها، ضاعت من جديد.. يا إلهي هناك من يحاول أن ينقذني.

 

 

مددت يدي، هناك من أمسك بها، ابتسمت مغمض العينين وأنا على يقين تام بأنها هي من ستحضنني وتحضن خوفي، فتحت عيني

 

 

فوجدت زميلي يضحك  وهو يقول:

 

 

 الرحمة ياصديقي لا تحاول من جديد أن تقوم بهذه التجربة ،إنها المرة العشرين التي تفقد فيها وعيك ،ومعه بعض حيائك ،بربك لقد أصبح المكان بسببك أشبه بدورة المياه  في الحي القديم .

 

 

 بقلمينا غروب ورقية
 مختبر الحي القديم ~ خاص بمسابقة القصص المشتركة.~
بداية
الصفحة