أجرى الحوار وأعده وقدمه كمذكرات شخصية للكابتن كريم محمد علاوي: الباحث الموسوعي/ علي البدراوي

(عُدنا)!...
فرق كبير بين أن تكتب عن شخوص أثرت بأحداث سبق أن كتبت عنها ووثقتها بمطبوع ونشرت تاريخها بحذافيره، وبين أن تجمعك الأقدار بعد مضي السنين لتلتقي بها جسداً وروحاً ولساناً ناطقاً يُنبئك بكواليس بواطن ما دار من أحداث ومواقف نشرت ظاهرها.
قد يُهيء لك القدر فرصة ما كنت تحلم بها، تحديداً في ليلة رأس السنة تلتقي عبرها تحت وقع مفرقعات المحتفلين بطير مهاجر من طيور بلدنا الراحلة بعيداً عن سماءه، والتي آثرت الابتعاد بصمت كي لايصيبها منه ما أصاب طائر الفلامنغو الذي لاذ بأرضه اليانعة وسمائه العطرة ليجد نفسه ذبيحاً عليها!.
كنت من جيل طفولة أدرك من كرة القدم شيء وحيد هو أن الفريق العراقي حين يلعب فيجب عليه أن يفوز، وأن شخصياته التي نتناقل أسمائها في كل يوم وهي تمتعنا بالاهداف واللعب الراقي هم ملائكة مقدسين ارسلوا الينا كرحمة لامتاعنا، شاعرين من خلالها ان بلدنا هو الاول بمنطقته بكرة القدم.
كان نجماً... لكنه لم يكن جماهيرياً إسوة بثلة من زملائه الاخرين آنذاك، لكن من التقى به في ليلة رأس السنة 2016/2017 تذكر حين صافح يمينه بأنه قد اقتطع ذات يوم صورته وهو يرتدي الدريس الازرق المطعم بالنجوم والتي نشرت على الغلاف الاخير من مجلة الأطفال (مجلتي) التي كان يحرص على اقتنائها ليلصقها عنوة فوق رأس سريره، إيماناً منه بأن (كريم) هو صاحب الفضل بتأهل منتخب العراق الى اولمبياد سيئول 1988 والتي كنا نراها آنذاك اسمى مايمكن الوصول اليه بعد مونديال كأس العالم.
هو الانسان العراقي..واللاعب .. والأب ..والمُعلم.. والمدرب.. كريم محمد علاوي.. غير المستهلك اعلامياً من حيث التصريح والظهور والاعلان والاعلام طيلة مايقارب الربع قرن من اعتزاله للعب إنزوى خلال أعوامه بعيداً دون تصريحات وأضواء مكتفياً بتحقيق طموح شخصي سيبلغ عن قريب به أعلى المراتب وهو التدريب.
ليلة جمعتني به في مكان ما نفض من خلالها كل غبار الذكريات التي توّجها بإهدائي لألف وخمسمائة صورة نادرة حفلت بها مسيرته الكروية وتوجتها أنا بتلك الحصيلة التي خرجت بها من جلستي الطويلة معه والتي امتدت لستة ساعات مستمرة كان خلالها كتاباً مفتوحاً هادىء السطور حتى عند الوقوف على الأزمات إسوة بإحتفاله المتزن عند تسجيله لهدف. خرجت بما ستقرأونه من سطور آثرت من خلال تجميع مخرجاتها بأن لا أغمطها حقها بمنحها عنوان (لقاء).. بل كانت (مذكرات).... ولكم الحكم بما ترتأون!.
علي
https://www.youtube.com/watch?v=98RLW9nSMY8&feature=youtu.be
-الحلقة الثانية-

عمو بابا وتهديده!
*التاريخ واحصائياته الرقمية يوثقان بأن الأمور كانت قد سارت مع (كريم محمد علاوي) منذ ان استدعاه (فويا) لتشكيلة المنتخب الذي خاض غمار تصفيات مونديال 82 في الرياض في ربيع عام 1981، حدثنا عن سير مجريات الاحداث معك في تلك الايام المبكرة من تواجدك في تشكيلة المنتخب الوطني مع صفوف رعيله الأول؟!.

ضحكات أمل وتفاؤل لغد كروي أجمل جمعتني بالرعيل القديم لمنتخبنا الوطني في الأيام الاولى من انضمامي اليه

نظرات ترقب لما يجري على أديم ملعب الشعب الدولي من على مدرجاته مع الرعيل القديم لمنتخبنا الوطني

مع نجوم الدوري العراقي!

اللاعبين (الشابين) كريم محمد علاوي وناظم شاكر بعد الانتهاء من احدى الوحدات التدريبية أواخر سبعينيات القرن الماضي

مع فتاح نصيف وفلاح حسن ونزار اشرف اثناء فترة تواجدي الاولى مع المنتخب الوطني في عام 1980

مع تشكيلة شابة للمنتخب الوطني بعد اعتزال رعيله القديم مطعمة بنجوم الخبرة


لقطتان لمشاركتي في احدى مباراتي منتخب العراق الوطني أمام نظيره الاردني في عمّان وانتهت نتيجة المباراتين بفوز المنتخب العراقي بهدفين دون رد (شباط 1981)

مع المنتخب الوطني خلال استعراض الفرق المشاركة في مجموعة غرب اسيا للتصفيات الاولية لمونديال 82 على ملعب الملز في الرياض (اذار 1981)
-كان (فويا) قد استدعاني لتشكيلة المنتخب في تصفيات 82 (المؤلمة على الفريق العراقي) لكن دون ان اشارك في أية مباراة فيها، طالما أن المركز (الظهير الايمن) كان محجوزاً للنجم (ابراهيم علي) آنذاك.. بعد ذلك عاد المدرب عمو بابا لقيادة المنتخب العراقي من جديد وكنا في حينه أمام معترك (هام!!) اسمه المشاركة في بطولة (مرديكا) الدولية الودية التي تستضيفها ماليزيا.


استوقفتني كثيراً هذه الصورة: البطولة في ماليزيا (ودية) والمباراة بين منتخبين لاعلاقة لهما بالبلد المضيف (العراق وكوريا الجنوبية) وليسا من فرق النخبة العالمية "العراق لم يكن قد تأهل الى كأس العالم وكوريا الجنوبية تأهل واحد قبل 27 عام" الأجواء ماطرة.. الأرض موحلة.. رغم ذلك الملعب يغص بالاف الجماهير الماليزية التي غابت عن مباريات امم اسيا على2007 على أرض ملاعبها.. فما الذي جرى؟؟ -المُعد


حينها تحدث معي عمو بابا وقال لي بنبرة حادة لن أنساها ما حييت:
(شوف).. سأفاجأ الاعلام والصحافة والجمهور بإستدعائك رسمياً للتشكيلة وسأستبعد (ابراهيم علي) "الذي كان حينها في أوج شهرته وقمة مستواه" وسأتحمل كل مايقال عني من كلام جراء فعلتي تلك، لذا عليك أن تثبت صحة استدعائي لك وصدق حدستي بمستوى شاب مثلك، وإلا فعليك أن تنسى الى الابد أمر تواجدك مع المنتخب الوطني طالما أنا مدرباً له.
كنت قد اثبت وجودي فعلا بكافة المباريات التي اشركني فيها المدرب في الدورة المذكورة ونلت على اثره ثناء الصحافة والجمهور لينزوي ابراهيم علي تاركاً اللعب اللعب الدولي.
*اسمح لي أن اخرج هنا عن النص قليلاً لأسئلك: هل أنت مقتنع بكأس مرديكا كلقب يُسجل للكرة العراقية؟!
-فهمت ما تقصد..لكن لتلك النسخة من مرديكا بالتحديد ظروفها الخاصة بالنسبة لنا كفريق ممثل لبلد مضت عليه سنة من الحرب، لذا كان لزاماً علينا الظفر بها وفعلاً حصلنا عليها.





اضف الى ذلك، أننا فوجئنا حينها بالمستوى الكبير للفرق المشاركة ولحدة المنافسة فيها، وبإمكانك من خلال الصورة الظاهرة لك لمباراتنا أمام المنتخب الكوري الجنوبي التي جرت في جو ممطر وعلى أرض موُحلة أن تشاهد الكم الهائل من الجمهور الماليزي الذي حضر الملعب رغم الظروف الجوية القاهرة لمتابعة لقاء فريقين لم يكن بلده احدهما.
انسحاب غريب تم تعويضه بميدالية الهند الذهبية!
*بمناسبة الحديث عن بدايات وجودك بالمنتخب نقف الى وجودك ضمن التشكيلة التي خاضت غمار دورة الخليج العربي السادسة في أبو ظبي عام 1982.. فهل حققت غايتك فيها وماهي ظروف قرار الانسحاب عليكم كلاعبين آنذاك؟!.

-في تلك البطولة تناوبت مع أيوب أوديشو على المشاركة في التشكيلة الاساسية في مبارياتها، فكانت حصتي مباراتين فقط لتكون كفة أيوب أرجح مني بالاخريات.
أما عن قرار الانسحاب فقد فوجئنا به حين تم ابلاغنا في ساعة متأخرة من الليلة التي سبقت مباراتنا الأخيرة والنهائية أمام المنتخب الكويتي بيومين كبادرة شكر للكويت جراء موقفها المتضامن مع العراق في حربه مع ايران.
بالتأكيد اثار فينا ذلك القرار الرئاسي الذي وصل من بغداد الكثير من الشجون حيث شعرنا حينها أن جهودنا بالمباريات قد ذهبت أدراج الرياح، اضافة الى أننا كنا شبه ضامنين للقب الثاني للعراق في تلك الدورة، رغم ان خصمنا هو الفريق الكويتي.
*نصل بمحطتك الدولية الى وضع الثبات منذ عام 1982 وبالتحديد منذ مباراة غينيا الودية على أديم ملعب الشعب الدولي والتي كانت محطة دوامك في التشكيلة الأساسية للمنتخب الوطني،لنتحدث قليلا عن مشاركتك في دورة الالعاب الاسيوية (دلهي 1982) خصوصاً أنك كنت صانعاً لهدف الفوز بميدالياتها الذهبية الذي سجله حسين سعيد؟!.
-مثلما ذكرت أنني ولجت تشكيلة المنتخب في فترة حرجة من تاريخ العراق كون الحرب العراقية الايرانية كانت في أوج بدايتها آنذاك، لذلك كان لزاماً علينا الظفر بالألقاب كفريق يمثل بلد يخوض حرب ضروس، لذا فكانت المشاركة في دورة الالعاب الاسيوية في دلهي 1982 محطة بالغة الحراجة لنا كنخبة لاعبين ممثلين لمنتخب بلادهم ولكادرهم التدريبي ايضا بقيادة المدرب عمو بابا.
كنت أساسياً في التشكيلة والحمد لله لم أخيب ظن عمو بابا بي مطلقاً وأديت واجبي على أتم وجه وصولا الى المباراة النهائية التي كنت صانعاً لهدفها الوحيد الذي سجله حسين سعيدة والذي حصلنا من خلاله على اللقب الغالي.
*لكنكم خسرتم مع الكويت في مباراتكم الاخيرة بالمجموعة؟!.
-صحيح، لكن صدارة المجموعة يعني مقابلة الفريق الايراني وكنا متوجسين من ذلك فيما لو حصل الأمر وتصدرنا سيأتي قرار من بغداد وننسحب كي نتجنب ملاقاتهم وتضيع جهودنا، لذا اتفقنا كلاعبين وكادر تدريبي على تجنب الوقوع في مثل هكذا موقف عبر الخسارة من المنتخب الكويتي طالما أننا ضامنين الصعود الى الدور ربع النهائي، وتحقق ذلك الأمر فعلاً.
*أجبني بصراحة.. هل اتفقتكم كلاعبين ومدرب فيما بينكم على ذلك الأمر، أم أن قراراً جاءكم من بغداد يقضي بالخسارة؟!.
-لم يكن التدخل بشؤوننا الى ذلك الحد سوى بالامور الحاسمة، اسوة بالانسحاب من دورة خليج (ابو ظبي)، لذلك لم يصلنا أي بلاغ من بغداد ولربما لم يضعوا في بالهم حسابات الفوز والخسارة لذلك تصرفنا بمفردنا تجنبا لقرار الانسحاب فيما لو فزنا على الكويت وفرض علينا لقاء إيران حينها.











*تحدثت الصحافة العراقية وبعض الصحافة العربية في مقالاتها عن اسمك كلاعب حُر في تشكيلة المنتخب العراقي بتلك الدورة ولم يحددك عمو بابا بمركز فيها، فهل بالامكان توضيح ماحصل؟ وهل وفقت بكل المراكز التي حددك بها عمو بابا حينها؟!.
-في تلك البطولة زجني عمو بابا بأربعة مراكز ووفقت فيها جميعا ولله الحمد (ظهير أيسر، ظهير أيمن، شبه وسط، دفاع متأخر اضافة الى الارتكاز في بعض الأحيان) حتى ان الصحافة الهندية والعراقية وصفتني باللاعب متنوع المراكز وصاحب أكبر جهد مبذول في تشكيلة المنتخب العراقي.
عودة الى الأمانة!


مع نادي الامانة في اوائل ثمانينيات القرن الماضي قبل (الالتحاق) بنادي الرشيد!
*لنعود الى محطتك الدافئة (الامانة) وبقاءك فيه رغم أنك اصبحت في مصاف النجوم بعد مشاركة الاسياد وأسباب ترك شقيقك (خليل) له؟!
-كانت أضواء الصحافة العراقية والعربية قد سلطت علي كثيراً بعد عودتنا من الاسياد أما عن تهافت عروض أندية النخبة الجماهيرية علي (القوة الجوية الزوراء الشرطة والطلبة) فكان أمراً طبيعياً ألفته منذ السبعينيات، لكن قراري كان منصباً على عدم التغيير بالاندية والاستقرار بفريق نادٍ واحد حتى وإن كان لايعد ضمن الاندية الجماهيرية.. أما شقيقي خليل فبسبب عدم اكماله لدراسته واستدعائه للخدمة العسكرية فقد كان لزاماً عليه أن يخدم العلم عبر تواجدهفي أحد الأندية العسكرية واختار حينها اللعب للطيران (القوة الجوية حالياً).
محطة الرشيد



*رغم مضي أكثر من ربع قرن على اندثاره الا أن تجربة (نادي الرشيد) في الكرة العراقية لاتزال محطة لغط تسود حديث عشاق تاريخ الكرة العراقية، وعند الحديث عن فريق كرة القدم لهذا النادي فإن اسم (كريم محمد علاوي) لابد وأن يرتقي الى مصاف صدارته كونه كان من ماركاته المعروفة وقائداً له أيضاً.
لنبدأ من حيث محطة الاستدعاء لهذا النادي، لاحظ أنني حددتها بالاستدعاء بدلا من مفردة (الانتقال) تبعاً لظروف ذلك النادي المعروفة وإسلوب القائمين عليه؟!.
-قبل إبداء الرأي سأحدثك عن (انتقالي) من الامانة للرشيد.. ففي موسم 1983/1984 كان نادي الرشيد المُنشأ حديثاً والمعروف من حيث التوجه والادارة قد انتقل الى دوري الدرجة الاولى وكانت ادارته قد بدأت تفكر جدياً بتمييزه عن بقية الاندية، وذلك لايتحقق الا بوجود النجوم فيه.
في تلك الاثناء أنيطت مهمة تدريب الرشيد للمدرب (حازم جسام) الذي بدوره طرح على إدارته أربعة أسماء اشترط وجودها في فريقه لضمان الثبات والسيطرة ومنافسة الفرق الأخرى، وهم (عدنان درجال وكاظم مطشر وشاكر محمود وكريم محمد علاوي)، صادف حينها أن تخرجت حديثاً من كلية التربية الرياضية فأستدعيت لأداء الخدمة العسكرية التي قضيت منها بضعة أسابيع في مركز التدريب كجندي مُكلف مهيء للسوق الى جبهات القتال المستعرة.
كان عرض المدرب (حازم جسام) قد وصلني ففاتحت إدارة (الأمانة) فيما اذا كان بإمكانها التدخل لتفريغي لأداء الخدمة العسكرية ضمن فريقها، لكنها اعتذرت عن ذلك كون ناديها جزءاً من مؤسسة مدنية، توجهت حينها الى إدارة الرشيدوفاتحتهابذلك الأمر فحصلت منهم على الفور أمراً بقضائي الخدمة العسكرية بفريقهم وهكذا انتقلت من نادي الامانة الى الرشيد بملىء إرادتي ولهذا السبب تحديداً وبدأ مشواري معه.
*الحديث عن الرشيد يعني الحديث عن قمع الانسان الرياضي العامل فيه عبر العقوبات والترهيب ولانغبط حقه بالمكافآت أيضاً؟!.
-كان صدى التجربة الهولندية مع (أياكس امستردام) وتوأمة تشكيلته بالمنتخب الوطني الهولندي في مونديالي 1974 و1978 والنجاح الساحق الذي حققته مثار حديث الصحافة والمدربين والمحللين آنذاك رغم مضي قرابة العقد عليها، لذلك منذ أول ولوجنا لمعترك هذا النادي سمعنا أن (خارطة طريق) جديدة قد هُيأت للكرة العراقية عبر (أياكس امستردام العراق) متمثلا بنادي الرشيد وبرأيي أنها حققت مبتغاها على أتم وجه بدليل تأهلنا الى مونديال كأس العالم وأولمبياد سيئول بتشكيلة غلب عليها الطابع الأصفر.
أما عن العقوبات فمن وجهة نظري أن ادارة هذا النادي كانت تتعامل بمبدأ الثواب والعقاب، فقد عاش لاعبوا الرشيد في فترة الاغداق والمكرمات لذلك كان لزاما عليهم أن يقدموا ما بذمتهم من منح عبر الاداء الذي من خلاله تتحقق الانجازات.
*أجبني بصراحة.. هل تعرضت لعقوبة مع الرشيد؟!.
-إن كنت تقصد بسؤالك حلاقة الشعر بعد مباراة الزوراء الشهيرة فلم أكن من ضمن المُعاقبين لكوني كنت أقضي رحلة علاج طويلة وشاقة في لندن، أما عن العقوبات فقد طالتني لمرتين!.
*طالتك رغم كونك ماركة الرشيد وقائده في بعض الاحيان و(منقذه) حسب وصف عدي صدام حسين لك؟!.
-كانت تشمل كل (مُقصّر) من وجهة نظرهم آنذاك.
*هل بالامكان الحديث عنها، أم أنها تشكل ذكرى أليمة لديك؟!.
-(يضحك) قائلاً.. ذكراها أصبحت للتاريخ ولربما الان يعد الحديث عنها مدعاة للتندر والذكريات..
بعد عودة المنتخب من اولمبياد سيئول 1988، كنا قد خضنا مباراة مع نادي صلاح الدين وانتهت بالتعادل بهدف لكلا الفريقين "لا أتذكر ضمن أي استحقاق كان أو ودية"، وعلى أثر ذلك التعادل الذي لم يرق لإدارة النادي صدر أمر بإحتجازي مع حارس محمد وليث حسين.
*لا اريد الغوص في أعماق العقوبة وحيثياتها الغريبة مقدراً وضع الزمان الذي لعبتم فيه، لكن هل لك أن تحدثني عن ظروفكم بالمحتجز؟!.
-تم اقتيادنا نحن الثلاثة الى محتجز يقع في دائرة أمنية بالقرب من(ساحة النسور)، لكن للحقيقة أن حراسه ذهلوا لوجود ثلاثة من نجوم الكرة العراقية بينهم فعاملونا بكل ود واحترام وتقدير، حتى انتهت مدة احتجازنا بينهم والبالغة لثلاثة أيام.
*والعقوبة الثانية؟!.
-بل كانت كانت الأولى ولعدم تنفيذها بحقي لا أعدها عقوبة.. فقد كنا على أهبة الاستعداد لخوض غمار مباراة الحسم في كلكتا أمام المنتخب القطري في تصفيات مونديال 1986 والتي كان موعدها المقرر (5/5/1985). فوصل أمر بأن يلتقي فريقي الطلبة والرشيد بمباراة ودية على أديم ملعب الشعب احتفالا بأعياد ميلاد الرئيس آنذاك.
كان القرار حينها قد أثار بي الدهشة كون الفريقين يضمان في تشكيلتيهما أغلب لاعبي المنتخب الوطني الذين كانوا يستعدون للرحيل الى كلكتا لخوض مباراة الحسم التاريخية أمام منتخب قطر، علماً أنه وصلنا أثناء تدريباتنا مع المنتخب على أديم ملعب الشعب، فأبديت اعتراضي على تلك المبادرة علانية كقائد لفريق الرشيد.
لم تكن ساعات قلائل قد مرت على ماصرحت به حتى صدر أمر يقضي بـ (طردي من المنتخب ونادي الرشيد) وسوقي الى جبهات القتال في البصرة.. لكن باليوم ذاته تدخلت جهات نافذة في نادي الرشيد عند عدي صدام حسين والغى ذلك القرار وذهبنا الى كلكتا وحصل ماحصل هناك.
*والمباراة ما الذي حل بها؟!.
-خضناها بالتأكيد وبعدها غادرنا الى كلكتا.
الحديث عن المنتخب!

تجمع لاعبي شومن البلغاري والمنتخب العراقي قبل احدى المباراتين اللتان جمعتهما في بغداد (شباط/فبراير 1984)
* لندع الحديث عن الرشيد جانباً ونعود الى حديثنا الزمني المتسلسل عن تجربتك مع المنتخب، لنصل الى محطة مشاركتك في كأس الخليج السابعة في سلطنة عمان عام 1984 ودورك المؤثر في احراز لقبها، وهنا لاسؤال لدي سوى طلبي بالحديث عن ذكرياتك في مسقط؟!.
-سجلت في تلك الدورة واحداً من أجمل أهدافي الدولية في مرمى الكويت من خارج منطقة الجزاء، وتشاء الاقدار أن تكون ثلاثة من أهدافي في مرمى المنتخب الكويتي (تاريخية ومن مسافة بعيدة جداً)*، أما عن المباراة النهائية أمام المنتخب القطري فقصتها معروفة للجميع ولاداعي للغوض في تفاصيلها سوى أنني انبريت لتنفيذ ركلة الجزاء الرابعة للعراق بعد ثلاثة اخفاقات لحسين سعيد وعدنان درجال وناظم شاكر فكان تسجيلي للهدف تصحيحاً للمسار وسجل من بعدي حارس محمد وناطق هاشم وأحرزنا اللقب.









وهنا لابد من وقفة تاريخية تجاه تشكيلة الفريق العراقي في تلك البطولة بالتحديد، فالمتتبع لمسار مبارياته فيها عليه أن يقف عند مسجلي الاهداف وتنوع مراكزهم ليعرف من خلال ماسيشاهد على خاصية قوة لاعبي مختلف مراكز تشكيلة المنتخب آنذاك وتنوع مهاراتهم.
فأهداف المنتخب العراقي في تلك النسخة من دورة الخليج العربي كان قد سجلها لاعبو الدفاع كريم وخليل محمد علاوي وناظم شاكر وعدنان درجال وللاعبي الوسط حصة فيها أيضا عبر ناطق هاشم وكذلك دور المهاجمين بالتسجيل (احمد راضي وحسين سعيد).
غصة لوس أنجلوس!





*في تتمة لرحلة وجودك مع المنتخب الوطني أرى أن هنالك تخمة بالمباريات الدولية، فبعد محطة مسقط جاءتكم محطة تصفيات لوس انجلوس في سنغافورة وتلتها محطة لوس انجلوس التي اسألك بخصوصها إن كانت المشاركة فيها تعد نقلة نوعية في حياتك الكروية رغم الاخفاقة الكبيرة التي مني بها الفريق العراقي؟!.
-كنا قد تأهلنا بجدارة كثالث عن التصفيات الاولمبية الاسيوية المؤهلة الى اولمبياد لوس انجلوس 1984 ورغم الفوز على كوريا في مباراة التأهل بهدف (ابو حيدر) الا أن مايحز بنفسي الفرصة السهلة التي ضيعتها أمام المرمى الكوري.
بعد ذلك جاء صيف عام 1984 لنتوجه فيه الى الولايات المتحدة الامريكية لخوض غمار منافسات كرة القدم في دورة العاب لوس انجلوس الاولمبية فيها.
*من المؤكد أن تلك المشاركة تشكل عندك غصة أيضاً؟!.
-بداية كنت في التشكيلة الأساسية للمنتخب الوطني في مبارياته الثلاثة في تلك الدورة، وقد كانت بالغة الصعوبة كون الفرق الثلاثة التي التقينا بها في مجموعتنا كانت كبيرة من حيث المستوى والخبرة بمثل هكذا محافل.
كنا من المفترض أن نفوز على منتخب كندا في مباراتنا الاولى معهم لكننا ضيعنا تلك الفرصة لنخسر أمام المنتخب الكاميروني القوي جداً بهدف للاشيء.


















*نتوقف هنا أمام كوميديا سوداء كروية تتناقلها الذاكرة العراقية اسمها مباراتكم أمام منتخب يوغسلافيا.
-كان الشوط الأول من تلك المباراة قد أنتهى بتفوق عراقي بهدفين للاشيء سجلهما حسين سعيد وعلي حسين، وبعد عودتنا الى المنزع في استراحة مابين الشوطين شاهدنا مدربنا عمو بابا مزهواً بتلك النتيجة، لكن التوجس كان قد اصابنا حينها وطالبناه علانية بالمحافظة على ماحققناه قدر الامكان عبر العودة الى الدفاع، الأمر الذي أثار السخط في نفسه وشجب رأينا ليطالبنا بإصرار على الدوام على الهجوم سعياً (لإذلال) منتخب أوروبي بحجم يوغسلافيا أمام العالم أجمع، فأصر على الخطة والمضي بالهجوم سعيداً لتسجيل أكبر عدد من الأهداف، وحدث ماحدث بمجيء أربعة أهداف في مرمانا!.
*هناك من يُحمّل اللاعب الشاب (حسام نعمة) مسؤولية دخول الاهداف اليوغسلافية الاربعة بمرمى الفريق العراقي؟!.
-بداية أقول لك أن نظام دورات الالعاب الاولمبية يقضي بتواجد أقل من 18 لاعب في تشكيلة فريق كرة القدم، وكان من ضمن اللاعبين حسام نعمة الذي استدعاه عمو بابا في ذلك الحين كونه أحد لاعبي فريق نادي الجيش الذي قضى فترة بتدريبه، حيث استدعاه لتعزيز الدفاع في حال الطوارىء أي كلاعب احتياط، ولسوء الحظ أصيب خليل محمد علاوي فأضطر بالزج بحسام في تلك المباراة متحملاً هول مسؤولية كبيرة زاد حملها عليه عدم مساعدة طيب الذكر المرحوم (علي حسين شهاب) له بالدفاع كونه أصر على التحرك نحو الهجوم ما أوقع حسام بمأزق كبير حينها أدركناه كلنا في تلك المباراة المشؤومة.
*أما كان بالامكان تدارك الوضع بعد تعديل النتيجة من قبل اليوغسلاف والتراجع الى الدفاع؟!.
-بعد الهدف الثاني ليوغسلافيا انهار الفريق كلياً ولو طال وقت المباراة لشاهدت أكثر من اربعة أهداف تدخل في مرمانا.
*وبعد عودتكم الى المدرب ماذا وجدتم من انطباع رسمه حول تلك النتيجة؟!.
-وجدناه غير مبالٍ بالمرة إذ لم يبان على ملامحه أي شيء يذكر!.
رحلة سنغافورة!
*بعدها تم إناطة مهمة التدريب بالمدرب اكرم سلمان واحرزتم معه بطولة ودية في سنغافورة؟!.
-كانت بطولة ودية ترويجية لكننا وجدناها على قدر عالٍ من الانضباط ورقي مستويات الفرق المشاركة فيها لنحرزها بصعوبة بعد فوزنا على الفريق الكوري الجنوبي.



تشكيلة منتخبنا الوطني قبل خوضه لاحدى مبارياته في بطولة مرليون

لقطة لمباراتنا في بطولة مرليون امام فريق (مختلط تشيلي) (2/1 للعراق سجل الهدفين كريم صدام)-1984/10/20

ركلة جزاء (ترجيحية) ناجحة في المرمى الاسترالي

مباراتنا النهائية في بطولة مرليون امام منتخب كوريا الجنوبية (الاولمبي) 2/1 للعراق (حسين سعيد ووميض منير)-28/10/1984



احتفالات فوزنا بلقب بطولة مرليون
المكسيك.. وتصفياتها وواقعة كلكتا!
*عند حديث أي متابع عن رحلة تأهل المنتخب العراقي الى مونديال كأس العالم في المكسيك عام 1986 واجتيازه لتصفياته يتبادر الى ذهنه إسمين اسهما مساهمة فاعلة بذلك التأهل يشاء القدر أن يكونا حاملين للاسم ذاته، إذ كانا كريمين على كرتنا العراقية وجمهورها (كريم محمد علاوي وكريم صدام)..

لقطة لمباراتنا الاولى امام المنتخب الاردني (3-2)

على ملاعب كلكتا تحضيرا لمباراة قطر الفاصلة

لقطة نادرة لاخر وحدة تدريبية خاضها لاعبو المنتخب العراقي قبل مباراتهم امام المنتخب القطري في كلكتا (5/5/1985)

نظرة ثقة وتفاؤل الى الكاميرا (توحي بشيء يخبه الغد المنظور) سبقت مباراتنا امام المنتخب القطري

اثناء قراءة النشيد الوطني على ارض ملعب كلكتا مع خليل وسمير شاكر وعلي حسين
(5/5/1985)
وإن كان الأول قد ارتبط بهدف تاريخي أدى الى انتقال منتخبنا الى الدور النصف النهائي من تلك التصفيات فإن الثاني بهدفه القاتل قد انتقل بنا الى دورها النهائي.. هدفك التاريخي في مرمى منتخب قطر في كلكتا.. طبيعته.. اجواء مباراته.. ردة فعلك أزاءه؟!.
-كنا بوضع حرج في التصفيات الأولية لمجموعتنا آنذاك جراء الخسارة الكبيرة التي ألمت بنا أمام المنتخب القطري في الدوحة بنتيجة 0-3 لذلك كان لزاماً علينا الفوز عليهم لنضمن التأهل الى المراحل الاخرى من التصفيات.. كان ورود اسم (كلكتا) الهندية كأرض بديلة لملعبنا أمر مفاجىء لنا على مختلف المناحي، لكننا رضينا بالأمر الواقع وذهبنا الى هناك لنصطدم بواقع بائس لمدينة أطلال من ناحية البنى التحتية وسوء العمران، والاسوأ من ذلك كله كان رداءة الاجواء وعدم ملائمتها مع اللاعب العراقي خصوصاً أننا لم نكن قد تأقلمنا عليها جراء وصولنا متأخرين جداً واقتراب موعد المباراة خلافاً للقطريين الذين كانوا قدرتبوا أمورهم بوقت مبكر جداً وهيئوا كل المستلزمات النفسية والمعنوية واللوجستية لانجاح مهمتهم أمامنا.
كانت كل الظروف تقف ضدنا، وكنا نتوقع أننا سنلعب على أرض ساحة ترابية جراء ماشاهدناه من واقع بائس لتلك المدينة النائية، لكننا فوجئنا بستاد اللعب الذي وجدناه بمواصفات عالمية خلافاً للمدينة التي تحتضنه.
كانت كل الاجواء تسير لصالح القطريين حينها من كل جانب، لكن نجاحنا الوحيد الذي حققه إداريونا قبل المباراة يكمن باعتراضهم على طاقم التحكيم (الهندي)، لتتم إزاحة حكم المباراة الهندي واناطة المهمة الى حكم كوري جنوبي لكن مساعديه كانا هنود حسبما أتذكر.
سألتني عن الهدف فأقول لك أن الكرة التي سددت نحو المرمى القطري أصلاً كانت هدف كونها قد عبرت خط المرمى وإن كان الحكم لم يشاهدها فأين دور المساعدين؟ المهم لحظتها لمحت الكرة تسير نحوي فما كان مني إلا القيام بحركة خاطفة "غير مدروسة الغاية" وظهري كان تجاه المرمى لأوجهها تجاهه لعل وعسى أن تصل الى أقدام أو رأس أحد الزملاء كي يسجل منها هدفاً بدلاً من تسكينها واللعب بها نحو المرمى أو التحويل الى زميل آخر، لكن تخيلاتي تلك كان قد قطعها صراخ اللاعبين الذين نبهوني بأنني قد سجلت هدفاً من تلك الكرة.. بإختصار دخلت المرمى!.
رحلة مع الاصابة!











*حفلت الكثير من أخبار صحافة الثمانينيات وكذلك صورك المنشورة فيها عن إصابات عديدة تعرضت لها وفقدان المنتخب الوطني لخدماتك في كثير من الأحيان، فهل تعد ذلك سوء طالع بالنسبة لك أم انه قدر أي لاعب؟!.
-حينما اتأمل بتجربتي مع كرة القدم ولاسيما أيام اللعب مع المنتخب الوطني في حقبته الذهبية أجد نفسي اسوأ عناصر تشكيلته حظاً، فقد فاتتني العديد من المحافل الهامة التي كنت أمني النفس بالمشاركة فيها جراء الاصابات التي لحقت بي.
كانت أولى مسببات الاصابة وتفاقمها علي عبر إصابتي بالـ(كارتلج) هو أرضية ملعب الشعب الدولي، إذ لعبنا عليه ذات يوم أثناء أعمال الصيانة التي كانت تطال أرضيته المليئة بالرمال في احدى مباريات دوري موسم 84/85 ومن التواءة بالقدم بدأت الاصابة القوية.
اكتشفت فيما بعد أنني مصاب بالـ(كارتلج) فما كان مني الا أن اعالجها بزرق الابر قبل كل مباراة بتوجيه من طبيب المنتخب آنذاك الدكتور (فالح فرنسيس).
أما في تصفيات كأس العالم 86 فلابد وأنك شاهدت في الصحافة صوري قبل مباراة الامارات في تصفيات مونديال 86 مشدود الفخذ جراء الاصابة لكني تحاملت على نفسي ولعبت حتى وصولنا الى النهائي أمام منتخب سوريا!.
محطة كأس الرئيس الكوري الجنوبي
لقطات منوعة لمشاركتنا في بطولة كأس الرئيس الكوري الجنوبي التي خرجنا منها بالمرتبة الرابعة (حزيران/يونيو 1985)









مع سمير شاكر قبل مقابلة فريق نادي (هوركان) الارجنتيني في اللقاء الذي انتهى بفوزنا بخمسة اهداف لهدفين (احمد راضي2-كريم صدام-وميض منير-باسل كوركيس)
(11/6/1985)
*عند تعديكم لفرق المجموعة في التصفيات الاولية كانت هناك محطة (ودية) في كوريا الجنوبية.. هل لك ان تحدثنا عنها ولماذا لم تظفروا بلقبها؟!
-كنا كتشكيلة فريق وادارة اتحاد وطواقم تدريبية نولي تلك البطولات الودية أهمية كبيرة جدا غير مدركين في حينها عدم جدواها من ناحية التسجيل بالفيفا وفقا للمتعارف عنه في الوقت الحالي، لكن مع ذلك أصر على انها كانت بطولات على درجة عالية من المنافسة ومستويات فنية راقية اضافة الى تغطيات اعلامية كنا من خلالها نظن انها بطولات عالمية من المصاف الأول والفوز بها لم يكن بشكل لدينا الكثير من الطموح جراء قوة الخصوم..
كنا قد فرطنا بلقب تلك البطولة جراء خسارتنا امام مستضيفها المنتخب الكوري الجنوبي بهدفين دون رد لنفرط بمركزها الثالث ايضا امام بانكو البرازيلي في ركلات الترجيح التي اضاع ركلتنا فيها المرحوم ناطق هاشم.
التأهل الى كأس العالم!

قبل مباراة الامارات الثانية في الطائف


*حديثك عن الاصابة يقودني الى توثيق محور هام كنت قد هيأته لك وهي مباراتيكم أمام منتخب سوريا اللتان لم تشترك بهما، وكذلك وجود طاقم جديد لتدريب منتخبنا الوطني في تلك الفترة الحرجة متمثلاً بكادر برازيلي.. حدثنا عن ذلك؟!.
-كانت الاصابة قد تفاقمت علي بشكل كبير آنذاك والـ(كارتلج) أخذ مني مأخذه، لكن رغم ذلك كله فإن المدرب البرازيلي (فييرا) لم يستبعدني عن تشكيلة المنتخب حينها ووضعني في قائمة احتياط المنتخب الوطني في المباراتين الحاسمتين أمام المنتخب السوري.
*هل بالامكان أن تحدثنا عن أجواءها رغم عدم اشتراكك فيهما؟!.
-مباراتنا الأولى أمام المنتخب السوري على أرض ملعب العباسيين في دمشق كانت مشحونة الظروف من كل جانب، ونظراً لاصابتي وتحديد عدد الجالسين على دكة البدلاء فإن هناك معلومة قد لايعرفها إلا القلائل يسرني أن افصح عنها بلقائي معك.. وهي أنني جلست الى جانب معلق المباراة للطرف العراقي الاستاذ (مؤيد البدري) في كابينة التعليق أثناء تعليقه على المباراة من داخل الملعب.
وبعد تعادل منتخبنا في العباسيين كنا قد شددنا الرحال الى الطائف لخوض مباراة الحسم الى الطائف والتي كنا وللتاريخ أقولها قد تعاملنا معها لأول مرة بتاريخ الكرة العراقية بشكل علمي ومدروس الى حد كبير بفضل كادرنا البرازيلي المُلم بكل شيء!.
*كيف تم ذلك؟!
-كان الكادر التدريبي البرازيلي الجديد الذي انيطت به قيادة منتخبنا في تلك المباراة يحسب كل شاردة وواردة ويسجل أدق النقاط، فكان أن وجه بسفرنا الى الطائف بوقت مبكر جداً يسبق المباراة بسبب معرفته بأجواءها، كون تلك المدينة مرتفعة عن سطح البحر بنسبة 1700م ما يؤدي الى ضيق التنفس ونقص الاوكسجين وهو ما عهدناه واصطدمنا به في مباراتنا الثانية على أرضها أمام منتخب الامارات لكن الكادر البرازيلي تعامل مع تلك الميزة بشكل حذر وعلمي ومدروس خلافاً لما كنا نفعله ليأقلم لاعبينا عليها.
كل تلك العوامل لكسب المباراةكانت قد هيأت لمنتخبنا الوطني الذي كنت أتدرب مع أعضائه رغم الاصابة لخوض المباراة النهائية، أما خصومنا السوريين فقد وصلوا متأخرين جداً إسوة بحالنا (أيام زمان) ليتفاجأوا بأجواء المدينة التي عزوها بأنها واحدة من أهم اسباب خسارتهم الكبيرة أمام منتخب العراق (نقص الاوكسجين وصعوبة التأقلم)!.
*أين كان موقعك في مباراة الحسم على ملعب الطائف؟!.
-مع الجمهور على المدرجات، انفعل لانفعالاتهم وافرح مع كل هدف يسجله فريقنا، ورغم احتفالنا بالتأهل الى كأس العالم لأول مرة بتاريخ الكرة العراقية بدى الحزن يطغى على ملامحي عند عودتنا لمقر الاقامة بشكل لفت انتباه المدرب فييرا، فأنزوا بي جانباً وقال لي بأنه سيرفع تقريراً عني للقيادة الرياضية بالعراق لعلاجي في الخارج كون المنتخب يحتاج الى خدماتي.
*وهل أوفى بوعده؟!.
-لم تكن أيام قلائل قد مضت على عودتي للعراق حتى تم إيفادي على نفقة الدولة للعلاج في إحدى مستشفيات لندن التي بقيت فيها لمدة 40 يوم خضعت خلالها لعملية جراحية تم فيها استئصال جزء من الغضروف تلاها علاج طبيعي مكثف.
*وهل شفيت منها؟!.
-كانت نسبة نجاح العملية تقريباً 60% لكن عدم التزامي بتعليمات الطبيب وعودتي لمزاولة اللعب فاقم علي الاصابة بشكل أكبر هذه المرة، إذ أن الجزء الصاحي من الغضروف كان قد اصيب خلال اشتراكي باحدى المباريات.
اللعب في كأس العالم.. الحلم الضائع!











*نصل هنا الى مونديال كأس العالم في المكسيك 1986، رغم كونك قليل التواجد في المباريات الاعدادية له الا أن اسمك كان حاضراً في التشكيلة التي ذهبت لخوض معترك المونديال لكنك لم تشترك في أي من المباريات الثلاث.. فما السبب؟!.
-كنت احتياطاً في أغلب المباريات الودية التي خاضها منتخبنا استعداداً للمونديال، لكن إسمي لم يغيب عن التشكيلة مطلقاً، حتى أنني تواجدت في معسكر البرازيل أيضاً.
كان (ايفيريستو) المدرب البديل لايدو قد وضعني في حساباته بأن أكون عنصراً أساسياً في مباراتنا الأولى أمام منتخب البارغواي في المونديال،وفعلا كنت قد اثبت حضوري في التمارين التي سبقتها، لكن احتكاكا بسيطاً مع الصديق (غانم عريبي) في التمرين الذي سبق مباراتنا بيومين قضى على كل شيء..كل شيء!.
*كيف وماذا حصل؟!
-أثناء احتكاكي معه (ضُرِبَ) عندي النصف الاخر من الغضروف فقضى على كل أمل لي بالمشاركة في المونديال، ولم تكن هناك فرصة لاستبدالي اسوة بعدنان درجال كون المباريات قد بدأت.
*اذا هو أمر يحز بالنفس بأن ترى زملائك يخوضون غمار المونديال وأنت تتخذ دور المتفرج، لكنني هنا أواسيك بتواجدك معهم على أقل تقدير ولم يتم استبعادك الى بغداد واستبدالك بلاعب آخر لحسن الحظ.






هنا يتبادر الى ذهني سؤال محوره سوء نتائج منتخبنا بالمونديال، رغم كتابتنا عن ظروف تواجدهم فيه لكن الى من تعزي (صفر) النقاط التي خرجنا بها من تلك المشاركة؟!.
-السبب الأول يكمن بعدم الاستقرار التدريبي والتغييرات المفاجئة التي طالت المدربين بدءاً من فييرا ثم ايدو الذي استبعد في آخر اللحظات وتم المجيءبالمدرب ايفيريستو بدلاً عنه.. برأيي لو أن فييرا استمر أو حتى ايدو اكمل مسيرته معنا وصولا الى محطة المونديال أو ان مهمة تدريب المنتخب انيطت بإيفيريستو بعد مباراة سوريا لكان الحال قد تغير كثيراً ولقال التاريخ كلمته بشكل مغايير عما سجله لمنتخبنا في تلك المشاركة.
*على ذكر الحديث عن ايفيريستو، من خلال لقاءاتي مع العديد من شخوص الحدث المكسيكي كنت قد لمست عندهم نبرة تحسس من اسلوبه معكم آنذاك فهل تشاطرهم الرأي؟!.
-كان إيدو طوال فترة تواجده مع منتخبنا المتأهل الى كأس العالم والتي بلغت (سبعة أشهر) يُركز على جانب اللياقة البدنية بشكل كبير جداً.. كنا حينها قد هضمنا اسلوبه وعرفنا جيداً غايته معنا لكن المشكلة أن بديله (ايفيريستو) قد عاد بنا الى نقطة الصفر مُركزاً على العنصر التكتيكي الذي شد عليه طيلة وجوده القصير والسريع مع المنتخب في المكسيك اضافة الى زيادة أحمال تمارين اللياقة البدنية علينا، الأمر الذي شكّل عندنا مانسميه الان نحن مدربي كرة القدم (Over Load).
تلك العوامل أدت الى تفاقم الاصابات علينا انا وعدنان درجال وحسين سعيد ورعد حمودي وجمال علي ليفقد المنتخب وبالتدريج منذ اول بدايات تواجده في المونديال أهم عناصره الاساسية جراء ضغوطات إيفيريستو.
*من خلال حديثك هذا اراك تحمل ايفيريستو مسؤولية ماحدث؟!.
-مؤكد أحمله المسؤولية، لكن الأمر لم يكن مقصوداً منه أو الغاية منه الحاق الضرر بالفريق العراقي، بل أن الرجل كان حريصاً على تدارك وضع سيء نمر به كان قد وضعه بمخيلته أو ربما وصلته معلومة خاطئة عنا تكمن بأننا لاعبين محدودي الثقافة الكروية وقليلي اللياقة البدنية.
*يتفق كل من التقيت بهم من لاعبي تشكيلة المكسيك بأن ايفيريستو قد حرمهم من التمتع بأجواء المونديال، بل أنهم عادوا بإنطباع سيء عنه جراء العزلة التي وضعهم فيها.. فهل اصابة كريم محمد علاوي قبل المباراة الاولى وشبه استبعاده من التشكيلة اسعفته بالخلاص من تلك القيود؟!.
-كان قد حاول معي كثيراً لعلي اشفى من الاصابة وأشترك ولو لبضع دقائق في احدى المباريات الثلاثة لكن دون جدوى، إذ كان يتابع حالتي أولاً بأول مع الطبيب لتمضي الأيام علي دون ان اتماثل للشفاء.. أما عن الاجواء فبالتأكيد كان يفرض علي ذات القيود التي فرضها على بقية اللاعبين ولم يمنحني أية حرية، بما فيها المشاركة معهم في التمارين أو على الاقل تسجيل التواجد بينهم.
*نعود هنا الى نقطة البدء التي اشرت اليها (قلة الحظ)؟!.
-ولا أزال اشد عليها.. فقد حُرمت من تسجيل اسمي بالاشتراك في أغلى مباراة في تاريخ الكرة العراقية (أمام المنتخب السوري في الطائف) وحرمت من خوض مباريات منتخبنا في مونديال كأس العالم 86 وبالتحديد قبل أيام قليلة سبقت انطلاقته جراء احتكاك مع زميل لي بالتمرين.. فماذا نسمي ماحصل؟!.
عودة الى صالة العمليات!
*بعد عودتكم من المكسيك لابد وأنك عالجت الاصابة؟!
-بالتأكيد فلم يمض اسبوع على عودتنا الى بغداد حتى اجريت عملية للغضروف كانت ناجحة بكل المقاييس وتماثلت على اثرها للشفاء نهائيا لأعود الى سابق عهدي باللعب.
محطات مع المنتخب

































