خفتُ واضطربْتْ..
ودقّ قلبي ألْف دقّة حين اقتربنا من المدخل..عادت كلّ المشاعر بكلّ التفاصيل..
انقبض صدري, وغامت عيني ثم همت أدمُعي..
وبتردّدٍ اقتربْتْ, وسلّمتْ...وبصوتٍ مخنوقٍ صافحتُ مسامعهن..
ثم احتضنتُها...احتضنتُ الأمّ...!
وجلسْتْ..
أومأت لي أن اجلسي بجانبي, فاستجبْتْ..
لكنني بقيتُ على صمتي, مختنقة...ووحده صوتُ القرآن
يواسي القلوب, ويضمّد الجراح, ويمسح بحُنوٍّ يكفكف الدمع السخين..
لم استطع أن أتكلّم !!
كم انتظرتُ أن أختلي بنفسي لأبكي وأبكي وأبكي بلا انتهاء..
لكنني تماسكْت عن الانهيار, لم أدرِ كيف... !
كان حزناً وقوراً..لكن وقار هذا الحزن هو الذي كشف ما يؤجُّ بالصدر!
والدموع الصامتة بسرّ الجمر تبوح..
كان حزناً مهيباً..ذكّرَني جلال الحزن قبل ثلاثةِ أعوام..
ذكّرني كلماتٍ من أمّي -هي لم تغب عنّي كي أتذكّرها- لكنها الآن غدت أكثر صفاءً ووضوحاً ...
قالت لنا في هيبة حزننا وحزنها.."أنتم أكثر من عشرة, وهذا أوّل من يغادرنا..
فماذا ستفعلون بعده؟؟ "...
ليتها لم تقُل ذلك, ليتها لم تفعل !!
ليس لأننا لا نؤمن بالحقائق, بل لأننا لا نريد أن تخدش مسامعنا تلك الحقائق!
لا نريد أن ندرك أنها فعلاً حقائق !!
ربما نريد أن ننسى, أن نتناسى, أن نبتعد, أن نخبّئ الحقيقة, أو نؤجّلها,
أو..........لستُ أدري حقاً... !
لم أُرد أن أسمع ذلك -مع أنني أعرفه- , لم أُرِد أن تفتح أمّي عيوني
وعيون اخوتي عليها !!
هل كانت قاسيةً علينا وقتها؟؟
لِمَ قالت ما قالت؟؟
هل كانت تواسينا, تواسي نفسها؟؟
هل كانت "تحضّرنا" ؟؟
هل كانت تستجلب الإيمان في أعماقنا, تفجّره لينير صدورنا؟؟
لِمَ قالت ما قالت؟؟
لستُ أدري....ولا أريدُ أن أدري...
كلّ هذا كان يحتدم في داخلي في تلك الدقائق القصيرة الطويلة...التي قضيناها
اليوم....رأينا فيها الكلّ, ولم أرَ صديقتي !!!