

في محراب ذاته جلس ينتشل الذاكرة بكل أوجاعها و أوهامها و ما تبقى عالقا بها من ركام الماضي ، ذاكرة حية بكل آلامها و أوجاعها ، و كلمات جوفاء مازال يحتفظ بها بعد مرور 45 عاما على حب نما بداخله حتى تملكه، و ورق رسائل أصبح باليا و لكن حروفه مازالت تصدح بالحياة، لأن الحب فلسفة حياة و موت ، و نعيش و نموت من أجله عندما نحب، فالأمر سيان،
إلتقته و قد حشرت نفسها في نقاب تحاول أن تحجب ماضيها عنه، و الزمن لم يستطع أن يحجب مشيتها الزاهية و صوتها الأنثوي المفعم بأدوات السلب الروحي، و عينيها الزرقاوين،
ماضيها فيه جزء من ماضيه ، ألقت عليه السلام، ولم تعرفه و لكنه عرفها، سألها بعطف و تودد رغم العذاب و الألم الذي جرعته إياه: كيف حالكِ يا " جميلة "..؟؟ اندهشت و سألته : هل تعرفني ؟ فكَّر مليا وقال : أحسدكِ على هذه الخصلة الشيطانية، كيف تنسين من بعتِ أحلامه لرجل ثري أثار عنك قبيحة الخلق و الأخلاق ..؟ فرَحَلت في سحابة من التفكير تتساءل عن الماثل أمامها، و لم تخجل من نفسها و سألته كأنها أول مرة تلتقيه : هل تعرفني سيدي للمرة الأخيرة ؟؟ أجاب بهدوء و روعة الحب في داخله : يا لسخافة القدر ..!!، سؤالك لم يحرك بداخلي شيئا، أخمن لو كان رجلا آخر غيري فعلتِ به ما فعلتِ بي لصفعكِ قبل أن تتفوهِ لا بكلمة السلام أو الحرب ... لكنكِ " جميلة " الجميلة في داخلي بكل حروف الحب السَّاجدة لنبض يخفق كل مساء لذكراك قاتلتي، و لا بأس أن نلعب لعبة الأسماء : أنا " الوفي " حبيب جميلة منذ 45 عاما مضت كأنها البارحة ،... تأملته و تفحصته بعيونها من وراء الخمار الذي يغطي كل جسدها، عرفته و شردت للحظات تبحث عن مخرج لموقف يعود في الزمن حيث كان العشق شطحات صوفية ينخر ذاتها ، و حيث كانت مستعدة أن تضحي بكل شيء من أجله، رفعت كيدها إلى الدرجات القصوى معلنة عن تجاهل رهيب : اتقِ الله يا رجل ، فأنا زوجة محترمة و لا أعرف عما تتحدث... فردَّ باستهزاء : هاهاها... أنظروا من تتحدث عن الإحترام !!!... جميلة.... ها هاهاها،
لو كنتِ تعرفين المعنى الوجودي لكلمة إحترام لخجلت من نفسك و أنت تحدثين " الوفي " لم تحترمي رجولتي، مشاعري، إنسانيتي، كبريائي، مازلت أحبكِ كما كنت قبل 45 عاما، بنفس النفس و روتين العشاق، آبدة في روحي وهبتكِ كل الزمن النفسي و الفزيائي، أبحث عنكِ في كل التفاصيل اليومية، أنقب عنكِ في الجريدة، أطالع علّي أجدكِ في نشرات الأخبار، أتأمل المارَّة لربَّما أجدكِ في أي شيء بهذا العالم، و أنتِ هل مازلتِ تحتفظين بشيء مني ؟؟ فهمت " جميلة " بالذهاب بحركة كأنها تهرب منه ، و دون أن يشعر " الوفي " أمسكها من ذراعيها و الناس ينظرون إليهما، و يحتجون : اللهم إن هذا لمنكر، اللهم إن هذا لمنكر، لكنه لم يبال بعيون و ألسنة الناس التي تترصدهما في مشهد مذهل واستثنائي، و نار الحب تتأجج بداخله معلنة عن ثورة تعود لما قبل 45 عاما، و هو الآن يشارف السبعين سنة، و لا بد أن يغتنم هذه الفرصة، و صاح بصوت مبحوح يكتم صرخات سنوات عجاف : أحبكِ... أحبكِ...أحبكِ.... و مازلت على وعدي بالرحيل إلى حيث تقطن روحكِ حيث لست أنا...
لكن " جميلة " استوقفته مترجِّية إياه أن يصمت ، و قدَّمت له شروطا على طاولة المفاوضات ، قالت له : إن أردت أن أتحدث معك هيا نذهب إلى مكان هادئ حيث لا تزعجنا نظرات الناس القاتلة ،... يا لسخرية القدر، " جميلة " تبحث عن الهدوء، فرح " الوفي " لكسب الشوط الأول من معركة غير معروفة الأشواط و لا الأهداف ، و هما يمشيان إلى جانب بعضهما و يخترقان الشوارع و الذكريات ،

مع تحيــــــــات
بروموتيوس & كنــــــــــانة

|