على كتف الفجر حلّقت بخيالها وتفكيرها بعيدا عن عالم الواقع الكئيب المحزن البائس،
وشراسة التركيز والإنتباه والتدقيق في أحداث يومها التي تتكرر بنفس درجات الألم، لتشعل مصابيح التنهدات المكتومة والمكبوتة داخل
فؤادها الصغير الذي أضنته الهموم وخلّفت روحا مبتورة..
فقد كـان هـو كل حياتها، حبه يسري بالوريد، ووجوده ينير عتمة حياتها الموجعة، فقدت كل أهلها إثر حادث سير رهيب،
وكانت في غيبوبة إختيارية وعزلة تامة بملء رغبتها، فقدت الثقة بالجميع لأنها تجرعت منهم كل أنواع الأسى ولم يرحمو ضعفها،
وكـان هـو الفارس المنقذ من تلك الوحشة، بدّد الظلام فبات لها كل الحياة ونبضا للروح، وعاشا أروع قصة حب دامت لسنين
وفجأة ودون سابق إنذار إتصل ليطلب منها الابتعاد عنه ونسيان كل ما مضى..بحجة أنه سيسافر من أجل مستقبله،
فتساءلت:أكان كل الذي مضى مجرد أكذوبة؟؟؟.......
وأقفلت باب الأمل وأوصدت قلبها بأغلال محكمة واحتقرت الحياة والدنيا بأكملها، وعادت إلى عزلتها وكانت اللحظات تمر كأنها سنوات...
وبعد مدة عاد ليتصل..ولكنها لا تجيب، بعث رسائل عديدة للإعتذار وما من مجيب، طلب أن ترحم شوقه وحنينه ولم يلق جوابا،
طلب أن تغفر أخطاءه ولم تعره إهتماما لأنه أخرجها من العتمة لتبصر النور لوهلة ثم طلب منها أن تدفن بعد ذلك وهي تحتضر عمرا بأكمله ...
وظلت تتساءل: أيعتبرني مجرد دمية ليتسلى بها متى شاء؟
ومرت الأيام وانقطعت الرسائل والاتصالات لتعلم بعدها أن تلك الرسائل كانت النداء الأخير.
كانت إستغاثة روح تحتضر، وعلمت أنه لم يسافر من أجل مستقبله لأنه كان يدرك جيدا أن لا مستقبل ينتظره، ولم تكن لغرض في نفسه،
وأن غيابه كان خوفا على مشاعرها فقط، وأنه عاد لأنه لم يتحمل الفراق والرحيل دون وداع...
ودون أن تصفح عنه وتتفهم الموقف ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.....
فقد اكتشفت متأخرة أنه كان يعاني من السرطان وسافر من أجل العلاج، ولأنه جرب كل الطرق وفشل عاد ليموت بين أحضانها ولكنها صدته،
مات دون أن يحقق حلمه الأخير ودون أن يبرر موقفه، ورحلت هـي إلى عالم المجهول وذكريات الماضي واحتجزتها دوامة الفقد والأسى
وأفقدتها الذاكرة ومسحت كل التفاصيل إلا هـو وظلت أسيرة لـ طوق النسيان الأبدي.
