الفرق بين مجلس الشعب ومجلس النواب: دراسة دستورية مقارنة للأدوار والتسمية والوظائف

يُعد كل من مجلس الشعب ومجلس النواب من المصطلحات المستخدمة للإشارة إلى الهيئات التشريعية التي تمثل الشعب داخل النظام السياسي والدستوري للدول. وعلى الرغم من أن هذين المصطلحين يُستخدمان أحيانًا للتعبير عن ذات المفهوم، فإن هناك فروقًا دقيقة ومهمة بينهما ترتبط بالسياق السياسي، والتطور الدستوري، والنظام النيابي لكل دولة.

وفي هذا السياق، سيتم استعراض الفرق بين مجلس الشعب ومجلس النواب من حيث التسمية، الاختصاصات، الطبيعة التمثيلية، الخلفية التاريخية، والاختلافات الدستورية.

أولاً: من حيث التسمية والمصطلح الدستوري

• مجلس الشعب: يُستخدم هذا المصطلح غالبًا في الأنظمة ذات الطابع الاشتراكي أو الثوري، حيث يُراد به الإشارة إلى أن المجلس يُمثّل الشعب بكافة فئاته، ويكون في الغالب ذو توجه أيديولوجي. ومن أشهر الدول التي استخدمت هذا المصطلح: سوريا ومصر سابقًا وليبيا وكوريا الشمالية.

• مجلس النواب: هو المصطلح الأكثر شيوعًا في الأنظمة ذات الطبيعة البرلمانية أو شبه الرئاسية، ويُعبّر عن كون المجلس يتكوّن من "نواب" منتخبين عن الشعب، ويمارسون السلطة التشريعية. ويُستخدم هذا المصطلح في دول مثل مصر حاليًا، ولبنان، والعراق، والأردن، وتونس، وغيرها.

الفرق هنا لغوي ودلالي، حيث يُشير مصطلح "الشعب" إلى سيادة جماعية عامة، بينما يشير مصطلح "النواب" إلى التمثيل الفردي لكل منطقة أو دائرة.

ثانيًا: من حيث النظام الدستوري والسياسي

• في الدول ذات الأنظمة البرلمانية أو شبه الرئاسية، يتمتع مجلس النواب بصلاحيات واسعة، منها تشريع القوانين، سحب الثقة من الحكومة، إقرار الميزانية، والمشاركة في الرقابة على السلطة التنفيذية.

• أما مجلس الشعب، خاصة في الدول ذات النظام الرئاسي أو العسكري أو الأيديولوجي، فقد يكون دوره أقل فعالية أو يتأثر بتوجهات السلطة المركزية، وقد يقتصر أحيانًا على إقرار ما يُعرض عليه من قوانين.

مثال: مجلس الشعب في سوريا دوره غالبًا استشاري ومرتبط بتوجهات الحزب الحاكم، بينما مجلس النواب في العراق يتمتع بسلطة تشريعية ورقابية قوية.

ثالثًا: من حيث الخلفية التاريخية والتطور الدستوري

• مجلس الشعب غالبًا ما نشأ في ظروف ثورية أو اشتراكية، كتعبير عن سلطة الجماهير أو كأداة لإضفاء الشرعية على السلطة السياسية في مرحلة ما بعد الاستعمار أو بعد انقلاب عسكري.

• مجلس النواب يمثل تطورًا نحو الأنظمة الدستورية الحديثة القائمة على الفصل بين السلطات والتعددية السياسية، وغالبًا ما يكون ناتجًا عن دستور ديمقراطي جديد أو مرحلة انتقال سياسي.

في مصر مثلًا:

• في دستور 1971 سُمّي المجلس بـ"مجلس الشعب".

• ثم في دستور 2014، تحوّلت التسمية إلى "مجلس النواب"، كجزء من إصلاحات دستورية ترسّخ الطابع الديمقراطي والتمثيلي.

رابعًا: من حيث طريقة التكوين والانتخاب

• كلا المجلسين غالبًا ما يتم اختيار أعضائهما بالانتخاب الشعبي المباشر، لكن:

  • في بعض الأنظمة، قد يحتوي مجلس الشعب على نسبة من التعيين المباشر من رئيس الدولة.

  • أما مجلس النواب، فيكون كاملًا منتخبًا في معظم الدول الديمقراطية، ما يعزز طابعه التمثيلي والرقابي.

كذلك قد يختلف عدد الأعضاء، وشروط الترشح، والدوائر الانتخابية، لكن هذه الاختلافات ترتبط بالقانون الانتخابي وليس بالتسمية فقط.

خامسًا: من حيث الوظائف التشريعية والرقابية

• مجلس النواب:

  • يمارس صلاحيات موسعة في تشريع القوانين، اعتماد الموازنة، منح أو حجب الثقة عن الحكومة، مراقبة الأداء التنفيذي، طرح الأسئلة، ولجان التحقيق.

  • غالبًا ما يُعد المجلس الأقوى في الحياة السياسية، لا سيما في ظل وجود فصل بين السلطات.

• مجلس الشعب:

  • قد يُمارس صلاحيات مماثلة، ولكن في بعض الأنظمة تكون رمزية أو محدودة نتيجة هيمنة السلطة التنفيذية.

  • يُستخدم أحيانًا كأداة لإضفاء الشرعية على سياسات السلطة بدلًا من أن يكون هيئة رقابية مستقلة.

سادسًا: من حيث العلاقة مع باقي السلطات

• في الأنظمة ذات مجلس النواب:

  • توجد رقابة متبادلة واضحة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

  • إمكانية سحب الثقة، استجواب الوزراء، مساءلة الرئيس أو الحكومة.

• أما في حالة مجلس الشعب:

  • العلاقة غالبًا ما تكون أحادية الاتجاه، حيث يكون المجلس خاضعًا بشكل أو بآخر لتوجيهات القيادة العليا أو الحزب الحاكم.

  • نادرًا ما يُسحب الثقة من حكومة أو يُحدث تغيير جوهري في السياسات العامة عبر البرلمان.

سابعًا: السياق الدولي والمعاصر

أغلب الدول التي تسعى نحو تحديث نظامها السياسي والدستوري، تتجه نحو استخدام مصطلح مجلس النواب لما يحمله من دلالات على التمثيل الديمقراطي وفصل السلطات، بينما يبقى مصطلح مجلس الشعب مرتبطًا بأنظمة كانت تسعى لتكريس مفاهيم "الديمقراطية الشعبية" أو "سلطة الجماهير".

#مجلس_النواب #مجلس_الشعب #النظام_البرلماني #التمثيل_الشعبي #KooraMadrid