كيف يعمل الإعلام وقت الحروب؟
الكاتب : سعيد بن علي الهنائي
ماذا يمثل الإعلام للحروب ؟ هل الإعلام هو المستفيد من الحروب بحيث تتحرك المياه الراكدة على الساحة الاعلامية ويظهر مصطلح :
Back ground water movement
ويكون حركة المياه الراكدة اعلاميا بأن تدب الحياة في وسائل الاعلام فتظهر التغطيات الاعلامية والبرامج المطولة المواكبة للحرب واخبارها فضلا عن النقل الحي المباشر من ارض الحدث ! والتحليلات التي تصف الوضع الحالي وتستشرف المستقبل ولا ننسى الاخبار العاجلة التي تنهمر على وسائل الاعلام في وقت الحرب كالسيل العرم وتتفنن وسائل الاعلام في تقديمها للجمهور !
وفي الجانب الاخر أليست الحروب مستفيدة من الاعلام ؟ الا تدق طبول الحرب عبر وسائل الاعلام ؟ ألم نسمع عن الحرب الاعلامية التي تعمل على التمهيد للحرب على الارض ؟
ألم يقل الاسكندر المقدوني اعطني خطيبا بارعا وخذ الف فارس !! الاعلام والحروب موضوع فيه الكثير من النقاش والجدال والذي لايحتمل الجدال هو حاجة الحروب للاعلام ولنقترب لنضع بعض النقاط لا كلها على الحروف ولنرى بماذا سنخرج وطبعا النهاية لن تكون كالبداية !!
شيء من التاريخ
على اختلاف الازمات والامكنة وبدائية وسائل الاعلام او انعدامها بالشكل الذي نعهده حاليا الا انه تواجد بشكل او اخر وكان مهما للحروب ولنقل اخبارها لا لمن يعايشها فقط بل الى اجيال اخرى لم تعايش الحدث!!
ففي العصر اليوناني وعندما كانت الحضارة اليونانية هي المتسيدة في العالم واثناء الحروب وبخاصة مع الفرس وفي معركة ماراثون وبعد انتصار الدولة اليونانية على الفرس قام احد المحاربين بالركض من ارض المعركة الى اثينا لنقل اخبار الانتصار الكبير ووصل ومعه الخبر العظيم وسقط ميتا من التعب والى يومنا هذا تقام سباقات الماراثون في الالعاب الاولمبية أو تنظمها مدن في العالم تخليدا لذكرى ذلك المحارب العظيم !
من هذه القصة يظهر مدى اهمية الاخبار المتعلقة بالحرب وتشوق الناس الى سماعها والاهتمام بتطورات الحرب .
اما في العصر الروماني فقد كانت الطبول تدق في ارجاء الامبراطورية اعلانا ببدء الحرب التي يشنها الامبراطور الروماني على اعدائه كما ان ما يدور في الجبهات من تطورات متعلقة بالحرب تصل الى ارجاء الامبراطورية الرومانية المترامية الاطراف بسرعة بفضل شبكة الطرق التي امتازت بها الامبراطورية الرومانية والتي ربطت بين اطرافها المختلفة . وامتاز العهد الروماني بظهور ناقلي الاخبار المحترفين وكانت الاخبار تنقل بواسطة الاتصال الشخصي .
اما الفراعنة ففي مدافن الملوك سجل كامل بأعمال وانجازات كل ملك وبصورة خاصة الاعمال الحربية , غزو وتوسع , حرب خارجية , صد عدوان خارجي , اخماد ثورات كلها مدونة في المقابر الفرعونية .
اما في بلاد الرافدين فالالواح الحجرية كان يحفر عليها اخبار غزوات الحكام وتحت التماثيل التي تصور ملوك بلاد الرافدين تكتب اخبار الحروب كما وجدت الواح بها وصف دقيق لمعارك ملحمية جرت بين حضارات بلاد الرافدين وما جاورها من بلدان.
اما عند العرب فالشعراء كانوا يمثلون اعلام قبيلتهم فلكل قبيلة شاعر يقوم بوصف غارات وملاحم القبيلة ويتغنى بها ويفتخر فتصل الاخبار وتبلغ الافاق وحتى في العصر الاسلامي كان حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم يدافع عن الاسلام والمسلمين بشعره ضد الكفار .
العصور الحديثة
اذا ما حصرنا الحديث في مجال الاعلام والحروب في العصور الحديثة بين بداية القرن العشرين حتى الاربعينيات الميلادية منه نجد الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية مثالين هامين يستحقان الدراسة ففي الحرب العالمية الاولى يمكن ان نسميها بحرب المطبوعات والنشرات فالنشرات الدعائية انتشرت هنا وهناك والمطبوعات المتواضعة التي تحمل اخبار الحرب صدرت وعلقت في المدن الاوروبية الكبرى والصحف وقتها اهتمت اهتماما لا مثيل له بأخبار تطورات الحرب بل ظهرت إعلانات عن الحرب مثل ما حدث في بريطانيا عام 1916م عندما فرضت بريطانيا التجنيد الالزامي فظهر بوستر اعلاني شهير يحث البريطانيين يشجعهم على التجنيد وكان يحمل صورة لعسكري وعبارة: Your Country Needs You اي بلادك تحتاجك !!
وهناك الكثير من الامثلة الا أن معظمها تندرج تحت الجانب الدعائي وهو بعيدا عما نقصده هنا عن الاعلام والحروب .
أما الحرب العالمية للثانية ومع ازدياد شراستها ومقتل الكثيرين في العالم جراء المعارك فإن الاعلام وقتها وبالخصوص الكلمة المكتوبة كان لها علو الكعب فالصحافة نقلت اخبار الفظائع والمآسي المصاحبة للحروب وكشفت عن الكثير من الجرائم التي ارتكبت في الحرب وبخاصة التي قام بها النازيون كما قامت الصحافة وقتها بعمل غير عادي في تغطيتها للقصف الجوي الفظيع بين المانيا وبريطانيا والتي احالت مدنا بأكملها الى خرائب والى ما بعد الحرب العالمية الثانية قامت الصحافة الاوروبية بدور نقدي تاريخي كبير يحسب لها حيث تم فتح ملفات الحرب العالمية الثانية واشبعت نقاشا سياسيا وتاريخيا اعاد قراءة ما حدث بأسلوب شجاع وجريء اعطى الثقة للأوروبيين في السير قدما نحو التطوير والتحديث السياسي بعد ان هدأت الجبهات الساخنة على الارض .
كيف يعمل الإعلام في وقت الحروب ؟
بمعنى اخر اعم واشمل ما هي الظروف التي يعمل فيها الاعلام اثناء الحروب ؟
اولا: لنستعرض نظرية اعلامية هامة ثم نجيب على السؤال المطروح: تسمى النظرية باسم: نظرية اعتماد الفرد على وسائل الاعلام , ومضمون النظرية هو ان للجمهور اهدافا يريد تحقيقها من متابعته لوسائل الاعلام وتلك الاهداف مختلفة مثل حب المعرفة وجمع المعلومات والتثقيف وان وسائل الاعلام تعتمد على مصادر للحصول على الأخبار والمعلومات .
وتتحكم وسائل الاعلام على: جمع المعلومات والحصول عليها من المصادر , وتنسيق المعلومات وترتيبها وتبويبها في شكل لائق , ونشر المعلومات للجمهور , وبموجب هذه النظرية هناك , ووسائل الاعلام المختلفة صحف ومجلات واذاعة وتليفزيون ... الخ والجمهور المتابع والمتلقي لوسائل الاعلام , والجمهور هو الذي سيكون محور حديثنا هنا حول الاعلام وظروف عمله اثناء الحروب .
وحسب النظرية فإن تأثيرات وسائل الاعلام من الناحية الاجتماعية تتركز في: 1ـ لوسائل الاعلام دور كبير في الظروف الصعبة مثل اوقات الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين وفي اوقات الكوارث البشرية كحوادث السير والحرائق فضلا عن الحروب التي هي محور اهتمامنا .
2ـ يعتمد الجمهور الى حد كبير على وسائل الاعلام للحصول على المعلومات وبخاصة وقت الحروب لان الاعلام هو المصدر الاساسي والاكبر لاخبار الحروب وما يجري فيها من تطورات .
3ـ هناك تأثيرات على الجمهور المتلقي لأخبار الاحداث الطارئة مثل الحروب وهي: الخوف والقلق وبمشاهدة الجمهور ومشاهد القتل والمآسي يصاب بالخوف والقلق وشعور عدم الامان وبشعور غامض وكأنه اي الجمهور سيصاب بنفس المشكلة التي ينقلها له الاعلام . ويحدث احيانا تنشيط ايجابي للجمهور فيقوم بالمشاركة والتفاعل مع القضايا التي ينقلها ويبرزها الاعلام ويكون التركيز على الجوانب الانسانية في اغلب الاحوال وتكون اراء الجمهور عامل مهم للحدث وللوسيلة الاعلامية .
وقد يحدث العكس ويكون التنشيط سلبيا فيكون الخمول والابتعاد عما يحدث وما تنقله وسائل الاعلام ومحاولة الابتعاد والعزوف عن المتابعة لما يجري ! وقد تم تفسير ذلك بأنه عائد للوسائل الاعلامية فعندما تقوم وسائل الاعلام بنقل مشاهد المجازر والقتلى والعنف فإن ذلك يؤدي الى الفتور لدى الجماهير وعدم الشعور بالانسانية التي يتمتع بها الجمهور !
بماذا تمتاز ظروف الحرب لتجعل الاعلام نجما ساطعا اثناء الحروب ؟
تمتاز الحروب بمميزات عديدة تجعل منها حالة غير عادية تستحق الدراسة من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والاعلامية وإعلاميا فالحروب تمتاز : 1ـ تندلع فجأة حتى لو حددج ساعة عد عكسي لها الا ان ساعة الصفر تبقى مجهولة ومعلومة فقط لأصحاب الضربة الاولى من الشؤون العسكرية والسياسية البحتة وفجائية الحرب هي التي تلزم الاعلام بأن يكون مستعدا لتغطيتها .
2ـ يصاحب الحروب عادة تغيرا كاملا في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ليس فقط لمن يدخل فيها بل العالم بأكمله يضطر الى ضبط عقارب ساعته عليها والتحرك وفق تطوراتها فالشلل يصيب الكثير من الانشطة والقطاعات عالميا بمعنى اخر الحرب شأن عالمي.
ولنا مثالان بارزان على تأثير الحرب على العالم من اقصاه لاقصاه فهناك حرب الخليج الثانية عام 1991م وحرب الخليج الثالثة عام 2003م وهما اصدق مثالين على تأثير الحرب على العالم.
3ـ تطورات الحرب وسرعتها تجبر وسائل الاعلام على ان تعمل بسرعة اكبر لتكون اكثر قربا مما يجري على الارض .
4ـ الاطراف المتحاربة هي الاخرى لها استراتيجيتها وتكتيكاتها الاعلامية في خضم الحرب وتلك الاستراتيجيات والتكتيكات تكون عائقا امام عمل وسائل الاعلام في أحيان كثيرة فهناك التضليل الاعلامي وهناك التعتيم والاختلاق ومنع وصول الاخبار والرقابة المشددة فضلا عن الدعاية والحرب الاعلامية لذا فوسائل الاعلام تتحرك وسط حقول الغام عديدة!
5ـ وصول طاقم العمل الى مواقع الاحداث اثناء الحروب وحدها مخاطرة كبرى كما ان تعرض اطقم العمل الاعلامي للقتل والطرد ومنعها من دخول اماكن محددة ومنعها ارسال تغطيات اعلامية تحمل مضمونا اعلاميا معينا اصبح امرا عاديا وما حدث في حرب الخليج الثالثة عام 2003م يؤكد على ذلك فتم طرد محطات تليفزيونية من موقع الاحداث وتم قتل اعلاميين بدم بارد !
6ـ السياسات الاعلامية للوسائل الاعلامية التي يتم اتباعها تلعب دورا كبيرا وتؤطر مساحة العمل المسموح به اثناء الحروب .
7ـ سياسات وتوجهات ملاك وسائل الاعلام ـ خاصة تلك الوسائل الاعلامية التي يمتلكها الافراد تكون مؤثرة على عمل تلك الوسائل الاعلامية في الحروب .
8ـ سياسات الدول المشاركة في الحرب من الناحية الاعلامية تكون هي الاهم في الحروب وتؤثر على العمل الاعلامي بشكل حاسم ففي حرب الخليج الثالثة عام 2003م شاهدنا مدى قوة الاحتجاج الاميركي على ما اقدمت عليه وسائل الاعلام العراقية من نشر صور للأسرى الاميركيين ولجثث قتلى اميركيين ايضا وفي الجانب الاخر قامت العراق بطرد بعثة قناة (CNN) بسبب ما اسمته العراق بالتحيز لاميركا في تغطيتها للحرب.
9ـ حاجة الجمهور للاخبار عن تطورات الحرب تزداد مع تطور مجريات الحرب على الارض والاخبار والمعلومات المتضاربة او المتعاكسة تزيد من حاجة الجمهور للاخبار وبالتالي تزداد الحاجة الى وسائل الاعلام.
10ـ حالة الخوف والقلق وتحديدا الخوف من المجهول ترغم الجمهور على محاولة الحصول على الاخبار فالمعلومات عن الحرب من وسائل اعلامية اخرى كالانترنت او من وكالات الانباء رغم ان الاخبار لن تختلف كثيرا الا انه نوع من التنويع القسري يلجأ اليه الجمهور في اوقات الحروب .
11ـ الخبرة الشخصية لها دور في متابعة الجمهور لوسيلة اعلامية بعينها دون اخرى فتجارب الجمهور مع وسيلة اعلامية معينة في ظرف سابق اقتناعهم بها قياسا على ما قدمته في ظروف مشابهة يجعل الجمهور يتعلق بتلك الوسيلة اما العكس فيؤدي الى هجر الوسيلة الاعلامية والبعد عنها .
12ـ المدة الزمنية للحرب لها تأثيرها فالحرب الطويلة تعني عبئا اكبر على وسائل الاعلام والحاجة الى التجديد الاعلامي في كل مرحلة من مراحل الحرب كما ان الحرب الخاطفة قد تجبر وسائل الاعلام على العمل في وسط اعلامي حربي مضغوط جدا.
13ـ يكون المجال مفتوحا في اوقات الحروب لظهور اراء واحاديث لمحللين وهي اراء قد لاتكون ظاهرة وواضحة في الظروف العادية او لا تحمل ما يؤدي الى تغيير في مجريات الحرب او المعارك الجارية على الارض لكن جرأة وصراحة تلك الاراء تجعلنا نتساءل حول امر اخر وهو الحرية الاعلامية في الحروب ؟
ما هو المطلوب توافره في اعلام الحرب ؟
للاعلام الحربي مميزات وعناصر يجب توافرها حتى يصبح اعلام حرب متوازن ولا نقول مثاليا لان المثالية جزء من الاحلام الطوباوية التي لاتمت بصلة الى الواقع !
اذن ما هي تلك العناصر ؟!
1ـ العدالة تتحقق العدالة في صور كثيرة مثل تخصيص مساحة زمنية مناسبة لنقل اخبار الحرب من طرفي النزاع وابراز وجهه نظر كلا الطرفين المتصارعين وايصالها للجمهور فالجمهور هو الحكم .
كما تتحقق العدالة ايضا باعتدال وسائل الاعلام والعاملين فيها عن تبني وجهة نظر احد الاطراف والدفاع عنها والوقوف ضد طرح الاطراف الاخرى وكذلك لدى استضافة وسائل الاعلام للشخصيات المحسوبة الى اطراف النزاع فيجب ان يكون هناك نوع من التوازن والاعتدال وهناك الكثير من الامور التي تندرج تحت العدالة مثل افساح المجال لاداء ذوي الاختصاص حول النزال وصولا الى اراء الجماهير .
2ـ الجرأة والصراحة: في مواضيع مثل الحروب هناك احداث وتطورات يتم اغفالها وعدم تسليط الضوء عليها لاعتبارات كثيرة لكن في اغلب الاحوال اعتبارات سياسية ومن تلك الاحداث والتطورات ما يبقى طي الكتمان بعيدا عن الاضواء لذا فالجرأة والصراحة مطلوبان وبكثرة في مثل هذه الظروف لان ملفات الحروب كثيرة ومعقدة واشبه ما تكون بحقل الغام والخوض فيه يحتاج لجرأة وصراحة غير معهودين ويكفي ان نعلم هنا ان بعضا من اسرار الحرب العالمية الثانية لم يتم الكشف عنها الا مؤخرا.
3ـ خلفية الموضوع: احيانا كثيرة تقوم وسائل الاعلام بتغطية احداث الحرب الدائرة على الارض دون العودة الى خلفيات الموضوع وتطورات الاحداث التي اوصلت الى الحرب الدائرة ومثل تلك التغطيات تكون مبتورة ولا تعطي حقائق الموضوع وتاريخه اهمية تذكر مما يعني نوعا من التضليل الاعلامي misinformation وبعيدا عن تفسير ما اذا كان هذا التضليل مقصودا ام غير مقصود فإن الخلفية التاريخية امر هام في الصراعات والحروب ليست كسجل معلوماتي يقدم للجمهور بل هو معين لفهم تاريخ الحروب وتطوراته واسبابه كم ان له اهمية في تحليل مجرى الصراع وكيفية انتمائه ومعرفة موازين قوى الطرفين وقتدراتهما.
4 ـ العمق في عرض الأحداث : تميل بعض وسائل الاعلام الى تسطيح تغطيتها عن الحروب وبالتالي تسطيح فهم الجمهور لما يجري على نحو مبسط بعيدا كل البعد عن الحقيقة وما يجري على الأرض.
بينما المطلوب هو الاقتراب اكثر واكثر الى الأحداث وجعل المعالجة الاعلامية لها اكثر عمقا وقوية في الطرح وذات تأثير حقيقي وملموس.
5 ـ التنوع : ويقصد به التنوع في المصادر المستقاة منها اخبار الحرب وكذلك التنوع في محاور طرح ومناقشة الموضوع وحتى في الشخصيات التي يتم استقبالها في وسائل الاعلام.
6 ـ الاختصار : يغلب على عمل وسائل الاعلام في الحروب الإطالة والتكرار المملين فالإطالة تؤدي الى الخروج عن المعنى المطلوب والمقصود للعمل الاعلامي اثناء الحروب والتكرار يجلب معه الملل بلا ادنى شك!
لذا فالحل في الاختصار الذي لا يخل بمعنى وحجم التغطية الاعلامية والتجديد بحيث تستبعد الأخبار المكررة ويتم التعامل مع الأخبار الواردة من ارض الحدث على مبدأ الاهم فالأهم فالأقل اهمية.
7 ـ دقة الأرقام والمعلومات : يلاحظ اثناء الحروب مدى التباين والتناقض في المعلومات والأرقام وحتى اسماء المواقع الجغرافية ويكفي تصفح عدة صحف ومشاهدة الاخبار في قناتين مختلفتين لنرى الفرق الكبير والواسع بين معلومات وارقام واسماء كل قناة!
فعلى سبيل المثال مسافة قرية معينة من عاصمة ما هي 130 كم مثلا وفي اخرى نجدها 160كم!! وعدد القتلى في وسيلة اعلامية 70 مثلا وفي اخرى 45 وفي نفس الحادث !
فما الذي اضاف العدد هنا وانقصه هناك وسبحان من يغير ولايتغير!!
لذا فالعمل لا يحتاج الى اجتهادات وتأويلات بقدر ما هو أحوج الى الدقة وتحري الصحة والحقيقة.
8 ـ الحركة : بما ان الحروب تجري على الأرض فان التغطية عندما تكون من مواقع الأحداث فانها اكثر جذبا للجمهور وأكثر مصداقية وتميز الوسيلة الإعلامية بدلا من استوديوهات الحرب التي انتشرت مؤخرا لدى الوسائل الإعلامية المرئية بالذات والتي تقوم على الآراء والتحليلات والترجيحات ولا يمكن اغفال أمر هام هنا ان هناك معوقات عديدة تمنع وسائل الاعلام الوصول الى ميادين الحروب سنتناولها لاحقا!!
9 ـ المتابعة : في بعض تغطيات وسائل الاعلام عن الحروب يتم عرض بعض الأحداث وكأنها احداث عابرة ومنفردة ولا داعي لمتابعتها وتسليط الضوء عليها واعطائها الاهتمام المناسب لها رغم ان تلك الأحداث من صلب الموضوع ومما يتعلق به ومتابعتها من شأنه ان يجعل التغطية الإعلامية في الدائرة الأوسع والأشمل واقرب الى الحقائق وايصالها للجمهور.
والتواصل مع الجمهور في ظروف الحرب من الأمور الهامة جدا فمشاعر القلق والخوف وحب الحصول على المعلومات والأخبار المتعلقة بالحرب تكون في نقطة الذروة ولا سبيل للجماهير سوى التعلق بالوسائل الاعلامية ولذا فعلى الوسائل الاعلامية ان تعمل الأفضل في تلك الظروف لصالح الجماهير.
على الطرف الآخر لهذه العناصر توجد عناصر اخرى تظهر بوضوح في عمل وسائل الاعلام اثناء الحروب وهي عناصر غير مرغوبة وتضيع الجهود المبذولة للرقي بالعمل الاعلامي اثناء الحروب وبكل تأكيد لابد من اجتناب وسائل الاعلام الوقوع في اسر تلك العناصر وهي:
1 ـ التضخيم والتهويل: وهي مشكلة كبير كثيرا ما تخرج وسائل الاعلام من اتزانها وعن مسارها الصحيح في عملها اثناء الحروب والتضخيم والتهويل يتخذ أشكالا وصورا متعددة مثل اعطاء حادثة بعينها ضمن الحرب اهتماما مبالغا فيه او استخدام كلمات رنانة في وصف احداث الحرب وصولا الى تقديم ارقام وبيانات غير دقيقة للقتلى والجرحى واحداث سير المعارك بل احيانا يكون حجم التغطية الاعلامية للوسيلة الاعلامية نفسها مضخمة ومثيرة للتساؤلات!!
2 ـ التعبئة السياسية تتحول بعض الوسائل الاعلامية من دور تقديم الأخبار والمعلومات الى دور التعبئة السياسية بكل ما يحمله من مخاطر وتبعات وبدلا عن التركيز حول تقديم المعلومات وايصالها للجمهور دون تلون فانها تعمل اي الوسائل الاعلامية على شحن الجمهور سياسيا وجعله متلقيا سلبيا للأخبار والمعلومات السياسية التي هي في اغلب الاحوال بعيدة كل البعد عن الصدق وواقع الحال ويظهر من المتابعة لعمل وسائل الاعلام في اثناء الحروب ان الوسائل الاعلامية العربية هي اكثر الوسائل الاعلامية التي وقعت في فخ التعبئة السياسية قديما وحديثا ويمكن ملاحظة ذلك بشكل واضح وجلي اثناء حرب الخليج الثانية عام 1991م وحرب الخليج الثالثة عام 2003م وان كانت بدرجة اقل مما كان عليه الحال عام 1991م والتاريخ العربي لا يخلو من امثلة التعبئة السياسية في وسائل الاعلام ولا يمكننا اغفال تجربة اذاعة صوت العرب في الستينيات الميلادية من القرن الماضي والتي بلغت الذروة قبل نكسة 1967م.
3 ـ الشخصانية : وهي مشكة وقعت فيها الوسائل الاعلامية بمختلف دول العالم على اختلاف اتجاهاتها فقامت بتبسيط الحروب واختزالها في شكل صراع بين رئيسي الدولتين المتحاربتين فحرب الخليج الثانية عام 1991م هي حرب صدام حسين وبوش الأب!! ودارت الأيام وصارت حرب الخليج الثالثة عام 2003م حربا بين صدام حسين وبوش الابن!!
وفي هذا التبسيط الخاطئ اغفال للكثير من الحقائق وتعمية الجمهور المتلقي للتغطية الاعلامية اثناء الحروب.
4 ـ التحيز : في عمل بعض الوسائل الاعلامية اثناء الحروب يعتريك شك كبير حول عملها الاعلامي ما اذا كان فعلا يمت بصلة الى الاعلام او هو اقرب الى المحاماة والدفاع المستميت عن احد طرفي النزاع؟!
فمن اسلوب تغطية اخبار الحرب الى التحليلات والآراء ولغة العاملين في الوسيلة الاعلامية يتضح الميول السياسية والتحيز والأهواء وترجيح كفة طرف على آخر فعندما يكون اخبار احد الأطراف المتحاربة لها الصدارة في الوسيلة الاعلامية وتنقل بأسلوب التأكيد بينما الطرف الآخر يسبقها كلمة زعم او يزعم او على حد قوله!! فان ذلك يعني ان الوسيلة الإعلامية اصبحت بوقا سياسيا اكثر منه وسيلة اعلامية!!
5 ـ التعتيم والتضليل: وهو غير التعتيم والتضليل الذي يمارسه الطرفان المتحاربان على وسائل الاعلام بمنعها وعرقلتها عن الوصول الى الاخبار ومصادر الأخبار ومواقع الأحداث بل هو تعتيم وتضليل تمارسه وسائل الاعلام على جمهورها جهلا او عمدا فخطورة الأمر في كلتا الحالتين واحد.
وسبب هذا التعتيم او التضليل عائد الى سياسة الوسيلة الاعلامية والأهواء والميول السياسية ـ وسبق أن شرحناها ـ وعلى ضوئها تتجه الوسيلة الاعلامية الى الاهتمام بأمر ما وإسقاط آخر وفق التحيز الذي تسير عليه والتعتيم والتضليل أخطر في كل الأحوال عن التضخيم والتهويل فالتضخيم والتهويل في الأغلب لا يأتي على حساب اخفاء او تجاهل أخبار معينة بل الحقائق يبقى لها خيط يقود اليها على عكس التضليل والتعتيم حيث الانتقائية والأهواء تعيبان الحقائق وتبعدوه وتقيم مكانها حقائق ووقائع أخرى لا تمت بصلة الى واقع الحال لكن الأهواء والميول تريد له ان يمرر الى عقول الجمهور!!
6 ـ التكرار : من الملاحظ ان وسائل الاعلام اثناء الحروب تميل الى التكرار في عرض الأخبار وبين فترة واخرى تعاد نفس الأخبار والكلام هنا بشكل خاص على وسائل الاعلام المرئية ولا يخفى على احد ان التكرار دون تغيير واضافة آخر التطورات الجارية يبعث على الملل والرتابة ومما لا شك فيه ان بعض وسائل الإعلام فطنت الى ذلك وقامت بوضع تغييرات على أسلوب عملها لتجنب الملل والرتابة وهجرة الجمهور لها!.
7 ـ التيئيس ونشر الإحباط : بعض الوسائل الاعلامية لا هم لها اثناء الحروب إلا نشر مشاعر اليأس والإحباط والخوف فالآراء والتحليلات كلها سوداوية مرعبة وهنا لا ندعو الى السكوت عما يجري على الأرض فالحروب لا تحمل معها سوى الخراب والدمار لكن القليل من الحديث عن الإحباط واليأس خاصة عندما يكون ذلك مجرد توقعات واجتهادات شخصية أمر لا بد مه بل من واجبات الإعلام الحربي الناجح بث الثقة والطمأنينة لدى الجمهور في ظروف الحرب والبعد عن ابراز التوقعات والاجتهادات الفردية وتسويقها كحقائق وأقدار حتمية!!.
8 ـ نشر الخوف والرعب: وهنا نقصد بشكل خاص الصور التي تبثها أو تنشرها الوسائل الإعلامية وهي صور تبرز مشاهد القتل والمجازر المروعة وآثار الجثث والدماء فمن المعلوم ان الصورة بألف كلمة كما يقول حكماء الصين! ويؤكد علماء الاتصال والاعلام بان المعلومات والأخبار التي يتلقاها الإنسان عن طريق الصور تكون لديه ذاكرة صورية قلما تتعرض للزوال!.
وبما ان اخبار الحروب تنقل كثيرا بالصور بل اقيمت معارض لصور عن الحروب في العالم فان الجمهور المتلقي من شرائح متعددة فهناك الأطفال والكبار وغيرهما إلا ان تأثير الصورة تبقى أقوى على الجميع واكثر قوة على الأطفال فمشاهد المجازر والقتلى والجثث والدماء التي تغطي الأرض وغيرها من المناظر ستبقى راسخة في الأذهان مفزعة مرعبة مثيرة للنفس ومن ناحية انسانية ايضا لا بد من التقليل من تلك الصورة فللموت حرمته وللأحياء احترامهم واحترام مشاعرهم.
بعد الحديث عن عناصر يجب توافرها في الإعلام العربي واخرى يجب تجنبها في عمل الوسائل الإعلامية اثناء الحروب فانه لابد من التركيز على أمور ثلاثة هامة:
أ ـ عمل وسائل الإعلام في ظروف الحرب يعتمد بشكل كبير على معطيات وتطورات خارجة عن سيطرة وسائل الاعلام ومن الصعوبة التنبؤ بها والاستعداد لها وكل ما هو متاح للوسائل الاعلامية العمل على التكيف مع تلك الظروف وتوافر درجة مقبولة من التعامل السريع والمناسب لكل ظرف وتطور حاصل.
ب ـ هناك الكثير من المعوقات التي تقف كحجر عثرة امام وسائل الاعلام في الحروب وليس لها علاقة بالحرب مثل القوانين والبيروقراطية والسياسات الإعلامية للدول أو للمؤسسات الإعلامية والتي تعيق العمل الإعلامي وتحد من انشطته كما ان تعامل اطراف الحرب مع الاعلام في الغالب هو عائق آخر امام الوسائل الاعلامية.
ج ـ لا توجد دراسات اعلامية جادة ترصد العمل الإعلامي اثناء الحروب وتتطرق الى أمور هامة مثل مدى تعلق الجمهور بالوسائل الإعلامية اثناء الحروب؟ وما هو حجم تأثير المعلومات والأخبار التي تبثها وسائل الإعلام للجمهور؟
ويعني ذلك ان عمل الاعلام اثناء الحروب مجال خصب للبحث الاعلامي وعلى وجه الخصوص عربيا لأن الحاجة ماسة لتوافر بحوث من هذا النوع.
دراسة مبسطة لحروب الولايات المتحدة في العقدين الميلاديين الماضيين: ـ
دخلت الولايات المتحدة الأميركية في عقد الثمانينيات والتسعينيات الميلادية حروبا ومجابهات عسكرية عانى فيها الإعلام الأميركي والأجنبي الشيء الكثير في الحصول على الأخبار والمعلومات وتلك الحروب والمجابهات هي:
1 ـ غزو غرينادا عام 1983م.
2 ـ غزو بنما عام 1989م.
3 ـ عملية اعادة الأمل في الصومال 1992م.
4 ـ الحرب ضد صربيا عام 1999م.
في غزو أميركا لغرينادا عام 1983م عانى الاعلاميون الأميركيون من المنع الصارم الصادر من المستويات السياسية العليا في حقهم للوصول الى الأخبار وعندما تم السماح لهم بذلك فتحت حراسة العسكريين الأميركيين وتم تنظيم الرحلات لهم على شكل أفواج وتم التحقق من ان الصحفي والاعلامي قام برحلة واحدة فقط لاغير!!
اما غزو بنما عام 1989م والتي سميت بالقضية العادلة! وبالطبع هي لم تكن عادلة بالنسبة للصحفيين فقد فرض حظر حقيقي عليهم وعلى تحركاتهم والمعلومات التي تصلهم اقرب ما تكون بنشرة العلاقات العامة!!
ويكفي ان نعلم بأن اسرار عملية اخراج حاكم بنما من السفارة البابوية التي لجأ إليها لتعتقله القوات الاميركية ظلت طي الكتمان حتى نشرت في عام 1999 بصورة أوضح اي عقد كامل من الزمان حتى يعرف الجمهور ان الولايات المتحدة ركبت اجهزة تسجيل ضخمة لموسيقى الروك الصاخبة بالقرب من السفارة البابوية حتى تضيق ذرعا وتقوم بتسليم حاكم بنما مانويل نورييجا الى الولايات المتحدة!!.
أما في عملية اعادة الامل الى الصومال فقد كانت وسائل الاعلام الاميركية وغيرها تنقل ما يريده صنعة القرار الأميركي لا ما هو حاصل على الأرض فعلا!
لذا فالهجوم الذي قام به اتباع الزعيم محمد فارح عيديد أحد امراء الحرب في الصومال تم عرضه في وسائل على انه قمة التوحش والعدوان بينما ما قام به الجيش الأميركي وقوات بعض الدول الغربية ضد الصوماليين من تعذيب وقتل لم يصل للعالم إلا بعد عدة سنوات! بينما قتل جنود اميركان وسجنهم على يد اتباع عيديد نال ادانة وشجب العالم واصبح الشغل الشاغل لوسائل الاعلام الغربية!!
أما الحرب على صربيا عام 1999م فقد كانت قمة المهازل إعلاميا!!
فاقتصر العمل الإعلامي والتغطية الإعلامية على نقل مباشر وحي للمؤتمرات الصحفية للناتو ومن البنتاغون وصور عديدة للاجئين من كوسوفو أما مجريات الحرب فهي مغيبة وبعيدة كل البعد عن وسائل الإعلام!!.
حرب الخليج الثانية عام 1991م والثالثة 2003م : ـ
وهي من اقوى الحروب اعلاميا طبعا خاضتها الولايات المتحدة الأولى نجحت فيها باقتدار لاستغلال الولايات المتحدة لكل هفوات العراق كبيرة وصغيرة وتوظيفها لصالح الاعلام الاميركي ورغم ما حدث فيها من تعتيم اعلامي وتكميم أفواه كل من حاول الحديث عن احداث مغايرة لما ينشر ويصل للجمهور إلا ان الاعلام بصفة عامة والاعلام الاميركي بصفة خاصة خرج بأقل الخسائر وبنصر قوي عزز من سمعة وكفاءة الاعلام الغربي والأميركي خاصة!! اما جولة عام 2003م فقد اطاحت بكل المفاهيم تلك وجعلت من الإعلام الأميركي قزما صغيرا بعدما كان يتفاخر بعملقته امام الأقزام الاعلاميين فاذا به هو واحد منهم بل هو أشدهم قصرا!!.
فمنع الصحفيين من حرية الحركة واعلان مناطق بعينها بانها مناطق مغلقة ولا يسمح للصحفيين والاعلاميين بدخولها وقيام المؤسسات الاعلامية الاميركية بطرد صحفييها من العمل وفصلهم من الخدمة وطرد الجيش الأميركي آخرين بحجة مخالفتهم التعليمات! وصولا الى الثلاثاء الأسود أو حمام الدم الاعلامي يوم 8/ 4 / 2003م كل ذلك يؤكد ان العمل الاعلامي في الحروب محفوف بالمخاطر والمعوقات ما يعجز عنه الوصف والتخيل.
تناقض واضح..
في حرب الفوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين عام 1982م قامت وسائل الاعلام الأميركية بتغطية اعلامية متوازنة وافصحت عن اسباب الحرب بل قامت بفضح الكثير من خفايا الأمور!.
وفي الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979م قامت وسائل الاعلام الاميركية بدور دعائي قوي ضد السوفيت وملأت الدنيا طولا وعرضا بأخبار مجازر وانتهاكات السوفيت لحقوق الانسان الأفغاني!!
يتضح من المثالين السابقين ان مصلحة الولايات المتحدة وعدائها لبعض الدول هي بوصلة يهتدي بها الاعلام الأميركي أثناء الحروب!!
الإعلام والحروب..!!
ويبقى السؤال مرة اخرى قائما بكل ما يحمل من جدل وتناقضات واختلافات وآراء ما هي العلاقة بين الإعلام والحروب؟
وسؤال آخر اكثر اهمية كيف يجب ان تكون العلاقة تلك ؟ ما هو الوضع الحالي؟ وبعد كل تلك الحروب التي شهدتها المنطقة العربية هل لدينا اعلام حربي حقيقي؟
ان الاجابة بالنفي وهي الأقرب والأكثر توصيفا لواقع الحال فهل توجد اساسيات يمكن الوقوف والاستناد عليها لبناء اعلام حرب عربي؟!!