هل نملك ثقافة مدمرة للإبداع؟
فهد عامر الأحمدي
لا أؤمن بوجود شعب أذكى من شعب، ولا عرق أفضل من عرق، ومع هذا أصدق بوجود ثقافات مدمرة للإبداع وأخرى محرضة عليه.. ثقافات تنظر الى المستقبل بشكل دائم، وأخرى تتمسك بالماضي وتستلهم منه تجارب لا تناسب الحاضر أو القادم.. لست ممن يستهينون بالتاريخ، ولكنني أعتقد أن محاكاته والمبالغة في استقرائه يقيد الشعوب عنده ويبطئ من حركتها نحو المستقبل (والحي دائما أبقى من الميت).
وفي المقابل هناك دول لا تملك أي تاريخ (كأمريكا وكندا) أو خلعت عنها عباءة الماضي (كالصين واليابان) فخفت قيودها، وسهلت حركتها، وتسارعت خطواتها للأمام.
جميع الدول المتقدمة (كاليابان وأمريكا وألمانيا وكوريا الجنوبية) تملك ثقافات مستقبلية تحث على الابتكار والبحث العلمي. وليس أدل على هذا من أنها - وهي الأكثر تقدما في الجانب الصناعي - الأكثر أيضا تسجيلا للأبحاث والابتكارات التقنية.. فمكاتب تسجيل الابتكارات في الدول الأكثر تصنيعا في العالم (أمريكا والصين واليابان) استحوذت لوحدها على 62% من مجمل طلبات تسجيل الاختراعات في العالم (لعام 2010).. وفي اليابان وحدها تقدم المواطنون ب 552 ألف طلب اختراع، وفي أمريكا ب 401 ألف طلب اختراع، وفي الصين ب 203 طلبات اختراع، وفي كوريا الجنوبية 172 ألف طلب اختراع!
وفي المقابل؛ مايزال الوضع متأخرا (بل ومزريا كما تثبت الأرقام) في عالمنا العربي والإسلامي.. حتى أبحاثنا المتواضعة إما تركض في الاتجاه الخاطئ، أو تفبرك بما يوائم طبيعة الثقافة وسياسة المجتمع.
ورغم أنني أملك الكثير من الشواهد سأكتفي لضيق المساحة بعقد المقارنات التالية:
* ففي عام 2005 مثلا نشرت جامعة هارفارد لوحدها أبحاثا علمية تفوق الدول العربية مجتمعة!!
* وفي حين سجل الشعب الإسرائيلي 1683 اختراعا عام 2007 لم تسجل الشعوب العربية مجتمعه سوى 147 اختراعا فقط.
* والعالم الإسلامي مجتمعا لم ينجب سوى فائزين بجائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء (كلاهما درسا وعاشا في الخارج)!
* وفي المقابل نال جائزة نوبل في العلوم 79 عالما يهوديا (علما أن اليهود يقلون بنسبة العُشر عن عدد المسلمين)!!
* وفي حين تتضارب إحصائيات البحث العلمي في عالمنا العربي تحتل اسرائيل المركز الأول عالميا في عدد المنشورات العلمية (بمعدل يتراوح بين 109 و112 بحثا لكل 10,000 مواطن)!!
* وفي حين لا يتجاوز متوسط صرف الدول الاسلامية على البحث العلمي 0,80% من ناتجها القومي، يبلغ في اسرائيل 4,4% وفي أمريكا 2,9%!!
* وحين تبحث عن أعظم العقول العلمية التي أنجبهم العالم الإسلامي في القرن العشرين لا تجد أكثر من اسمين أو ثلاثة، في حين تجد في الجانب اليهودي ألبرت اينشتاين، وسيغموند فرويد، وكارل ماركس، وجوناس سالك وباروخ بلومبيرغ و و و (.. إلى آخر قائمة 320 عبقريا يهوديا قدموا للبشرية اكتشافات واختراعات ننعم باستعمالها اليوم)!!
.. بصراحة؛ لم يعد جائزا أو حتى لائقا لوم الآخرين على تخلفنا.. يجب أن نعترف - كأول خطوة في العلاج - أننا نمتلك ثقافة مُقيدة، وأبحاثا مؤدجلة، وعلما لا ينفع (يجب أن نستعيذ منه صباح مساء).. بالكاد نسمع عن أبحاث صناعية أو انجازات تطبيقية، مقابل سيل هائل من الدراسات النظرية والجدليات التي لا تنتهي - ناهيك عن تأكيد مآثر العلماء المسلمين في الماضي.. وكل الأرقام والمقارنات السابقة تثبت أن جامعاتنا ومراكز أبحاثنا تعيش في عالم تنظيري يختلف عن العالم التطبيقي والريادي الذي تتنافس عليه الدول ويحدد مصيرها في الحياة!!
وبالطبع.. من حقك إنكار كل ذلك والبقاء برفقة التاريخ في المربع الأول..