حرب الأفكار لا تحسمها معركة واحدة
اميمة الخميس
يندر أن يحسم صراع الأفكار عبر معركة واحدة أو مواجهة مؤقتة، ويستحيل طمس نظام فكري أو أيدلوجية حتى ولو حوصر من السلطة السياسية أو الاجتماعية، فطالما أن هناك نظاماً فكرياً له إرث تاريخي وجذور عميقة في الثقافة الشعبية فسيبقى ويدوم ولن يندثر، فهو سيظل إما في حالة (كمون) وترقب وقتي يتحين الفرص الآمنة للظهور، أو أنه سيغير لون العباءة ونمط الزي فقط للاستمرار والتقية.
وعلى سبيل المثال المحلي (تنظيم القاعدة) لايعني أن المواجهات الأمنية طوال العقد الماضي معه قد بترت هذا الفكر وحسمت الموضوع بنهاية سعيدة، بعد أن تحول الجميع إلى (كامبات المناصحة)، أو في سيناريو أقل تفاؤلا.. أن التنظيم توارى عن المشهد و تحول إلى حالة الخلايا نائمة.
الواقع يشير إلى المراقب للمشهد المحلي خلاف هذا!!
ليجد أن الخلايا ليست نائمة أو كامنة أو حتى في قيلولتها!! بل نشطة وفاعلة وتعمل بحدها الأقصى لكنها فقط لم توظف آخر الدواء الكي..أو المواجهة المسلحة.. بدلالة العديد من الأحداث والتفاصيل. ودعونا نستقرىء المشهد العام فقط في العشرة أيام الأخيرة نبحث داخله عن بصمات هذا التنظيم:
-الحملة الشرسة التي تعرض لها الشيخ (عبدالعزيز الفوزان) بعد أن تعرض للتنظيم (بالاسم) وخطأهم وتصدى لفكرهم، تلك الحملة التي انخرط بها ضده حتى بعض أكاديمي الجامعات، الذين أشهروا ضده الظفر والناب وكفروه وهددوه بالقتل، كما صرح الشيخ شخصيا لموقع (أنباؤكم).
-الانسياق الحماسي المتطرف و التهليل ورفع رايات الجهاد والدعاء لأعضاء القاعدة الذين ذبحوا مهندسي النفط من الوريد للوريد في الجزائر، أو المتمردين في دولة (مالي)، ذلك الانسياق الحماسي الذي لمسناه على العديد من المنابر سواء الدينية أو الإعلامية.
-أيضا دفاع أحد الشيوخ الرائجين إعلاميا عن تنظيم القاعدة بفلتة لسان (أبرزت كل مكنونه) قبل أن يتدارك أمره ويتراجع تكتيكيا عن التصريح حرصا منه على إبقاء الطريق بينه وبين السلطة سالكا.
جميع هذه الأحداث التي تمت في فترة زمنية محدودة لاتتجاوز الأسبوعين مؤشر على تنظيم نشط بل يحتل من خلال اتباعه جزءا واسعا من المشهد الفكري الداخلي، ومابرح يتغذى ويعيش من العروق الفكرية الدينية المشتركة بيننا وبينه، ومابرحت شعاراته الانفعالية القطعية ساحرة للجماهير، مستقطبة للبسطاء من العوام، الذين يرون أن الحسم يتم عبر الحلول القطعية ورايات الجهاد وطبول الزحف.
والمفارقة هنا أن جميع الفتاوى والسجالات الفكرية التي كانت تسعى إلى أنسنة هذا التنظيم وتقليم أظافره وتفكيك طروحاته حول علاقته بالسياسي والاجتماعي والفكري لم تخرج عن كونها معركة أفكار كانت تدور بين النخب ولم تكون تيارا فكريا مضادا يقوم على التسامح والقبول وعصرنة تلك الأيدلوجية الدموية الأحفورية المغلقة على يقينها.
ومابرح ذلك التيار كل مرة يعيد لملمة أدواته ويتسلل من ثغرات الأنظمة التي قد تكون العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة، وحرية الرأي، وتفشي الاستبداد،، أو سوء الخدمات جميع هذا من الممكن أن يكون تربة مخصبة من الممكن أن يوظفها التنظيم مسوغا لبقائه وخادما لشعاراته.
عملية الإحلال والإبدال تتطلب مسافات طويلة وأجيالا متوالية، ليس هذا فقط بل هي بحاجة إلى عمل مؤسسي طويل الأمد لايرتبط بقيادة واحدة أو أفراد بل أن يتحول إلى رؤية قومية شاملة كل القطاعات لمناهضة أرهاب الدول والتنظيمات معا بجميع أساليبه وتجلياته.
وأخيرا الشفافية والوضوح في مايتعلق بالمحاكمات العلنية لأفراد التنظيم، بالاضافة إلى إعادة هيكلة بعض الأجهزة المتعلقة بالنظام العدلي، بحيث يضمن لها الاستقلالية التامة، وعدم تداخلها مع الجهات الأمنية بشكل أو آخر.
الحرب طويلة ولن تحسم بين يوم وليلة..ولكن في نفس الوقت لايصح أن نراقبها بصمت وأيدٍ مكتوفة.