دخلوا على معاذ بن جبل رضي الله عنه وكان في مرض موته، فقال لهم: انظروا هل أصبحنا، فقالوا ليس بعد، حتى قالوا في الثالثة: لقد أصبحنا، قال: اللهم أني أعوذ بك من صباح إلى النار، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري[1] الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر[2] ومكابدة الساعات[3] ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
ودخل إبراهيم بن أدهم (أحد العباد الزهاد) على أحد أخوانه يعوده كان مريضًا، فوجده يتأفف ويتأسف، فقال له علام تتأفف وتتأسف، قال: "ما تأسفي على البقاء في الدنيا ولكن تأسفي على ليلة نمتها، وعلى يوم أفطرته وعلى ساعة غفلت فيها عن ذكر الله".
انظر أخي إلى هذا الإمام كيف أنه لا يتأسف على فوات الدنيا وما فيها من زخارف وزينة، وإنما يتأسف ويتألم على فوات الأوقات في غير الطاعات.
وهذا عبدالله بن سعد بن أبي السرح أحد الصحابة الشجعان لما قتل عثمان رضي الله عنه وكان أخوه من الرضاع، أقام بعسقلان وقيل بالرملة، ودعا الله أن يقبضه في الصلاة، فصلى يومًا الفجر، فقرأ الفاتحة وسورة ولما فرغ من التشهد سلم التسليمة الأولى ثم أراد أن يسلم الثانية فمات رضي الله عنه سنة 36هـ.
وهذا عامر بن عبدالله بن الزبير الذي يسمع المؤذن لصلاة المغرب وهو مريض فحملوه إلى المسجد وقبضت روحه في أشرف مكان وهو المسجد وفي أفضل وضعية يحبها الله في الصلاة وهو موطن السجود.
وهذا عمر بن عبدالعزيز بن مروان - رحمه الله - قال لمن حوله وهو في مرض الموت: أجلسوني فأجلسوه، ثم قال: أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت، قالها ثلاثًا: ولكن لا إله إلا الله، وقبضت روحه على هذه الحال الحسنة.
وفي رواية أنه قال لمن حوله: أخرجوا عني (كان عنده مسلمة بن عبدالملك وفاطمة زوجته) فسمعوه يقول: مرحبًا بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس ولا جان ثم تلا: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[4] فما زال يكررها حتى قبض رحمه الله.
[2] الصيام في اليوم الحار.