وفق أحدث نشرات مكتب الصرف حول "المؤشرات الشهرية للمبادلات الخارجية” برسم الأشهر الثمانية الأولى، فقد بلغت قيمة صادرات قطاع السيارات أزيد من 90,4 مليارات درهم عند متم غشت من السنة الجارية، مسجلة "ارتفاعا” بنسبة 35,6 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها العام المنصرم.

وعزا المصدر ذاته هذا التطور إلى "ارتفاع مبيعات كافة فروع القطاع”، خاصا بالذكر فرع التصنيع (زائد 9,76 مليارات درهم)، وفرع الأسلاك الكهربائية (زائد 8,28 مليار درهم)، وفرع الأجزاء الداخلية للسيارات والمقاعد (زائد 1,6 مليارات درهم)”.

بدورها، ارتفعت "إيرادات السفر” لتُعادل إجمالا قدره 71,36 مليار درهم برسم الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2023، أي بارتفاع قاربت نسبته 33 في المائة بالنظر إلى الفترة نفسها عاما قبل ذلك، مشددا على أنها "تخطت المستوى المسجل عند متم غشت 2019 (حوالي 52,69 مليار درهم)”.

ولم يتأخر تفاعُل وزارة السياحة مع هذه الأرقام، واصفة إياها في بيان صحافي مقتضب توصلت به جريدة هسبريس بأنه "أداء قياسي للقطاع السياحي يعود، في جزء كبير منه، إلى استقبال 10,2 مليون سائح بنهاية شهر غشت 2023، أي بزيادة بنسبة 49 في المائة مقارنة مع الفترة عينها من 2022″، مع "تفاؤلها بآفاق القطاع فيما تبقى من السنة”.

من جانبها، تؤكد تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج مسارها المتصاعد اللافت منذ "جائحة كورونا”، بتحقيقها نحو 78 مليار درهم برسم الأشهر الثمانية الأولى من العام الراهن، مقابل 72,7 مليارات درهم المسجلة خلال الفترة ذاتها قبل سنة؛ وهو ما يعني "ارتفاعا بـ7,2 في المائة على أساس سنوي”.

"التحويلات تبقى الأهم”

تعليقا على هذه الأرقام، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد الرهج أن "التحويلات المالية تبقى الأهم في إنعاش عجلة الاقتصاد المغربي وفق قراءته لهذه المؤشرات”، مسجلا في تصريح لهسبريس أنها "تطورت بصفة مهمة جدا وسط ترجيحات شبه مؤكدة أنها ستُلامس مبلغ 120 مليار درهم عند متم السنة الحالية”.

وعدّد الرهج أسباب هذه الأهمية في كونها "مؤشرا على تماسك روابط التضامن العائلي باعتبار تحويلات الجالية مساعدات للأسر أساسا، فضلا عن الاستثمارات المباشرة لمغاربة العالم عبر اقتناء أو تشييد السكن”. وزاد شارحا: "هي ظاهرة جديدة أن الجيل الثالث من العمال يريد الاستقلالية بوضوح عن زيارة أسرته والاستقرار معها لشهر واحد فقط، بل صار يقتني أو يبني سكن إقامته سواء في العطل أو بعد تقاعده للاستقرار في وطنه الأم عبر اختيار مدن كبرى وساحلية”.

كما أكد أستاذ الاقتصاد بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات أن "الارتباط بالوطن الأم والاعتبارات الدينية ما زالت تدفع الجالية إلى تحويل الأموال إلى المغرب بالعملة الصعبة”، معتبرا أن "المسار التصاعدي للتحويلات مغاربة العالم ظاهرة سوسيولوجية بامتياز أيضا تستدعي دراسة معمقة مع استحضار تأثيرها الاقتصادي المتنامي”.

بخصوص القطاع المصدر الأول بالمغرب، فإن الرهج لفت، في حديثه مع هسبريس، إلى "ضرورة احتساب مبالغ الإنفاق التي يستدعيها قطاع السيارات من خلال استيراد القِطَع والعناصر الأولية التي تدخل في تركيب وفروع تصنيع السيارات”، على الرغم من إقراره بأنها "عرفت ارتفاعا مهما يبشر بنهاية سنة جيدة من حيث ميزان الصادرات”.

أما عن انتعاشة السياحة، فأكد الخبير الاقتصادي نفسه أن "المغرب عاد إلى الموقع الأصلي الذي تبوأه في خريطة السياحة العالمية قبل أزمة كوفيد باعتبار سنة 2019 عاما مرجعيا”، مشيرا إلى أن "مداخيل الأسفار تعطي صورة إيجابية عن المغرب؛ وهو ما يفسر اللجوء إلى مراكش لاستقبال وفود دولية في اجتماعات عالمية ضخمة”، قبل أن يخلص إلى أن "سياحة المؤتمرات بالمغرب ساهمت بقسط كبير في استعادة القطاع لعافيته”.

"نسق متوقع وله ما يُبرره”

بدر الزاهر الأزرق، الأستاذ الباحث في الاقتصاد وقانون الأعمال، سار في الاتجاه نفسه عند قراءته لأرقام مكتب الصرف إلى غاية شهر غشت، مفيدا بأن "النسق المستمر لتحسن أبرز المؤشرات التي تعني مداخيل الدولة يعكس صوابية توقعات سبق أن تقدمت بها مؤسسات مالية مغربية ودولية وهو ما جاءت الأرقام مُتسقة معه”.

"الكل كان يتوقع انتعاشة القطاعات الثلاثة وارتفاعاتها الفصلية والسنوية على السواء”، أورد الأزرق في إفادات تحليلية لهسبريس، لافتا إلى أن ذلك ما تأكد فعليا من خلال "بداية تلاشي الصدمة التضخمية في الفصل الثاني من 2023″، موازاة مع "إقلاع عدد من القطاعات”.

وتابع شارحا: "المستجد الوحيد الذي قد يكون له تأثير محدود جدا على التدفقات المالية هو زلزال الحوز إلا أنني أستبعد ذلك؛ لأن "الأحداث الدولية التي تحتضنها بلادنا هذا الشهر تشكل دفعة جديدة للسياحة وأنشطتها وتمنح الثقة على مستوى جذب مزيد السياح الأجانب، خصوصا أن الفترة تتزامن مع ذروة الموسم السياحي في جهتيْ مراكش وأكادير”.

على صعيد التحويلات، رأى فيها الخبير الاقتصادي نفسه أنها "تكرس نفس المنحى في السنين الخمس الأخيرة”، مع "تغيير في البنية التي تسم تحويلات الجالية من مجرد كونها تضامنية إلى الاستثمار في شركات ناشئة واستمثارات ضخمة”.

وخلص محمد الرهج إلى أن "كل العناصر السابقة تُفسر الارتفاع المستدام في هذه المداخيل مع ارتفاع الطلب المحلي والعالمي؛ لأن التوقعات تدعم الأرقام الصادرة عن مؤسسات رسمية معتمدة، كمكتب الصرف والمندوبية السامية للتخطيط”، لافتا إلى آن "آفاق الاقتصاديين والمؤسسات في هذه القطاعات وغيرها تظل مستقرة إلى حسَنة برؤية واضحة إلى غاية الفصل الأول من سنة 2024”.

 

ــ

م . هسبريس،،