

بين الأمس واليوم والغد
وبين تلك الفواصل المعتقة
شاخت حكايات وشبت حكاية
لم يكن لها مقدرا أن تعيش أكثر مما قدّر لنبض السعود أن يعيش
توسد الفكرة تلو الأخرى، وأرغم ساعد الشحوب عن التنحي قليلا ريثما يتهلل برق السفور الغائر بين جوانح
الكبت المزعوم.
هناك حيث عاش وما زال يعيش تجلبب به أنين غير موجود ولا يعرف لأنينه مصدر يئن له ولا قلب يستقبله،
غير أن الترحال بين جنبات الحرف أسهل عليه أن يقرأ منه طرفا قد يعبره إلى طرف التجلي، ذاك الحلم الراسخ
دوما والذي لم يعرف له زمان ولا مكان.
بقيت تجتاحه صنوف التفكير أشبه ما يكون بالتبلد المنغمس في ثقافة الأنا المزروعة ببذور مفرغة الأصل من الأنا،
غير أن رحابة روحه تركت له نطاق التمايل فتجلبه فكرة وتتركه فكرة ولا يلبث أن يتزوج فكرة ويطلق الأخرى،
لم يمض به الكثير حتى أدرك معنى النقاء المتحاكي في أفق الوصول، ولكي تمتزج الفكرة المتولدة من تزاوج
عضلات الروح وتلك الوافدة من ربى الورقات الشامخة ببريق رحب متلألئ الجمال فتح باب الغربة إلى
نفق البلاء الصافي لكي يكون صافيا
بأتم نور وأرقى حال، فاستلقى على عقله الصغير ينهل وينهل وينهل فما سمع لنهله درب إلا وقبَّله على
أمل اللقاء مجددا.
لما استوى على تلال الوحدة استولاه ظلام دامس تطل من هناك شرفة براقة مشرقة فأدلج علَّه يدرك المنزل
فاستوعب أسْفار المسير وتجول بين أروقة الكلل والملل والجهل ربما، فاستنزل زاوية منه فقبع
فيها كي يلتقط نفسا ونفسا
ليكمل رحلة البحث، فمر بأفواج السائرين في مسالك الوجدان الروحي ونقاء السرائر
وعلى كثير ما رأى وما التقى وما سمع لم يهفو قلبه لطريقة ولا نحلة ولا ملة
بل وفي كل موقف تغمره بهجة الإرهاق وفسحة الآفاق
ولكنَّ نهَمَ التمادي استجلبه وحرضه فمشى على دروب التصوف الوجودي المتملق المهدِر فخارت
طاقة آسنة واشتعلت
طاقة كامنة ورغبة التحدي طافحة على جبين الرؤى لا تلبث أن تمسك بجذوة من الأمل السادي
على سحب المجهود.
من كان يظن أن كل هذا الدرب الكبير العسير المرير والمريح والفسيح الشحيح جعله يرى بعين
الكدر ماهية الموجودات
المتراكمة حوله فانخلعت عباءة الستر وبرزت عباءة شاحبة الإحساس، من كان يظن أن غائية الروح
اتسخت بأكدار الزمان وغبار المكان فحولها إلى زمكان الرؤيا وإن كان هذا من خرافة الأرض
المتطلعة إلى ما وراء الفضاء.
من كان يظن وهو في الحقيقة لم يظن بل غرق فيما يُظن حين أيقن به واستعمل م
فرداته في قواميس القروح وكتب الشروح ومطويات الجروح ولم ينفع معه رجوع ولا صدوع
والقلب مثقل بلآلام الخنوع.
إن التفت إلى الخلف رأى طيفا مستجمعا بقوى الوهم الراكض في مضمار الخمول وإن نظر تحت قدميه
أبصر اللاشيء فلا شيء تحقق، وإن نظر للأمام رأى ركاما من الضباب المتطاير وحوله هالة
من الغموض تكتنف السماء
وتلتف على غلاف مقلته وقد استغلق الفهم وطار النهم وتبدد الحلم وشاخ الوهم.
تنفس كدر الرحلة واستنشق تراب التعب المبتل بعرق صدإٍ متجمد على حافة خافقه فزفرت رؤاه العابثة
ودناه اللاهثة وأحلامه الناكثة فوضحت الرؤية وانجلت على صومعة في طرف الزمان لا يكاد يبلغها المكان
ولا تحتويها خرافة الزمكان فترقى نحوها وهو يريد اللاشيء الذي أبصره تحت قدميه، طرق الباب ودخل،
تلفت هنا وهناك فاستقبله ظلام يليه ظلام وظلام وظلام وخيوط العنكبوت ترزح فيها ذكريات الجمال الخائر،
فانحاز في محراب ماسيّ قد أكلته أرضة الماضي فآثر الجلوس فيه وإسراج طاقية الشجو بسقيى الدموع،
فأوقد بخور التعبد وأفرغ ما بجعبته من طيب الحب ومسك الشوق ومسح به ناصية الفسحة
التي دقت في ربوع القلب، وافترش لهيب العبادة وأنشد أذكار الرجاء الأبيض، وترانيم الغوص في آلاء الوجود
وأطلق العنان لزقزقة الروح الحائرة فتجمل المكان على سواد ما فيه.
هناك بدأت حقا الحكاية ...
حكاية الوجود
بدأ هذا الحرف في ترتيل ترانيم النهى بمثل هذا التاريخ اللولبي
العاشر من أبريل سنة ثمانية وألفين من الأفية الثالثة

ملحوظة ملائكية: قد يرحب بالزيارة ويمنع الكلام فيها وما ذاك إلا لأن المكان لا يليق بذلك
العبق المتسرب إليه فاختار طأطأة الخشوع وانحناء التحية طقسا للترحيب بكل زائر حتى لا يلوثه غبار المكان
وشظف العيش وقلة الحيلة ودناسة بعض الحصير المترامي على بعد خطوات من البوابة لهذا فتقبلوا
ودا ملائكيا أبيضا يسطع من أغوار الروح ليستوي على رؤاكم الرائعة.
صاحب الخاطر الموجوع: بـ. بوسيف

 |