التاسعه بتوقيت القاهرة
.,،؛
شمساً لا تغيب رغم تعاقب الليل والنهار ، ورغم مرور الزمن وكهوله الأيام ، وسمره الأرض ، إنها حقا دنيا لا شيء يشبها ، لا بشر يرتقي لها
إنها التاسعة بتوقيت القاهرة ، وهى في الغرفة المجاورة ، ويفصل عن منتصف الليل ثلاث ساعات أو أقل ، وأنا أتطلع لـ وجها الحزين
وكأنها تخبر الجدارن إنه آخر مارس يمر بتلك الأسرة ، كأنها تودع لون الجدران الداكنه ، وتنظر للتلفاز في ود فقط أشترته بالتقسيط منذ سنوات
لكي تسعد أبناءها ، أرهقها الزمن وأرهق شعاع النور المنبعث من فؤادها .. تلك الريفية السمراء التي آتت للمدينه لكي تتزوج من أبن عمومتها
تحملت الكثير من الصعاب والكثير من وهن الحياة ومسئوليتها .. كانت أم صارمة أحيانا وحانية كل الوقت إنها لا تقرأ ولا تكتب ولكنها كانت شعلة الفكر
لمن حولها .. تفاصيل وجهها أخبرتني عن تاريخها الشاق المحمل بالصعاب وعن عام 1955 ذات العام الذي ولدت به وعن عامها السادس الذي
فقدت به أمها بصرها ، وكانت هى الضوء الذي تتحرك أمها من خلاله .. كبرت وسك حقول القنح والذرة والخضرة من حولها ..
كانت تحب " شادية " كانت تقلدها في تسريحة شعرها ، قدر أستطاعتها .. كان أباها رجل طيب ولكنه يحمل فوق تاريخة زيجات عدة
فلم تشبع من حنانه ، وكانت أمها تحنو عليها ... أتذكر حكايتها لي وقت أن كانت قريتها بلا كهرباء وبلا مياة أنها
في يوم رأت " الجنية " في ( الزقة ) * فـ أصابتها الحمى والخوف وظلت في الفراش فترة كبيرة حتى أعترفت لـ أمها وذهب بها إلى شيخ القرية
كانت طفولتها مخلوطة بـ الارز المطبوخ في الطاجن ممزوج باللبن الطازج والهواء الخالي من عوادم السيارات
تجولت كثيرا كثيرا بين الحقول ... أتذكر إنها كان لها صديقة كانو الاثنان يحلمون بالزواج معا في نفس الليلة
حين أتي عريسها القاهري لم يأتي وحدة بل كان معة أحد أقاربة ، الذي رأها وتزوج منها أيضا ، فلم تأتي وحدها لقاهرة المعز
مضت بها الأيام وهى تتمسسك بـ أمها الكفيفة أكثر حتى قرر والدها زواجها فتركت أمها في حزن وأسى
وبدءت حياتها الزوجية فتاة ريفية صافية النية لا تعلم أي شيء غير حياتها في القرية
لم تكن حياتها مريحة إلى الحد الذي يمنحها شيء من السعادة .. حتى أسعدها الله عز وجل بـ 3 أطفال هما كل حياتها
هم من أستحملت قساوة الدنيا لاجلهم ولاجل زوجها الطيب الذي لم تلوثة الحياة بعد أن أصبح الان رجل فوق الستين من عمرة
تلك السيدة التي أصابها العديد من الامراض حتى افقدها المقاومة وهى الآن تبكي خوفاً من مغادرة أسرتها
تخاف الموت وكل ليلة تبكي وتقول ( ولادي ، ولادي )
هى لا تريد أن يأتي يوم غد ، ترفض هدايا عيد الام ، تهاب الرحيل
لا تخشي الموت ولكنها تخشى فراق ابناءها وزوجها
لا تنفك تنتهى من البكاء حتى تبدا بكاء آخر
هى كل العالم في امراءة وامراءة تحمل العالم داخلها
امراءة تستعد للموت في كبرياء
رغم خطورة القادم من عمرها ورغم تدهور حالتها كل يوم ، ورغم الالم الذي لا ينتهي
ترفع يدها للرحمن الرحيم وتقول فقط ( ولادي يارب )
...
يارب
إنها أمي .. وكل ما أملك وكل الحياة لنا
يارب
أسالك وأتوسل إليك أن تحميها وتشفيها من أجلنا
يارب
إنها تحمدك وتشكرك ليل نهار فكن ناصرها ومقويها
يارب
لا أسالك ردا لـ قضاءك ولكني أسالك أن تخرج من العملية الجراحية وهى خير وسلام
يارب
يا من سبقت رحمتك قدرك أرحمها يا رحمن
يارب
إنها أمي وعبتدك الشاكره الحامده الراضيه بقضاءك
أحبكِ يا أمي ..
زقة : هو طريق ضيق بين بيتين ويكون مظلم