الهيكل الإداري لنادي بايرن ميونيخ: تفكيك أسطورة "الديكتاتور الأوحد"
بِسْمِ ٱللّٰه ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ،
أهلاً بكم أعزائي في منتدى كووورة الألمانية!
كثيراً ما نسمع في الأوساط الرياضية، وخاصة بين المشجعين العرب، وصفاً مختزلاً لإدارة بايرن ميونيخ بأنها "ديكتاتورية" بقيادة أولي هونيس، لكن الحقيقة أكثر تعقيداً وإثارة.
بايرن ميونيخ ليس نادياً عادياً، بل هو مؤسسة عملاقة تُدار بأسلوب ألماني دقيق، يعتمد على التشاركية والشفافية، وليس على حكم الفرد الواحد.
فكيف يعمل هذا الهيكل الإداري؟
ولماذا تُعتبر فكرة "هونيس الديكتاتور" أسطورة بعيدة عن الواقع؟
━━━━━━━━ ❖ 1. الجمعية العمومية: قلب النادي النابض ❖ ━━━━━━━━
بايرن ميونيخ هو ملكٌ للجماهير! نعم، هذه ليست مجرد شعارات.
يضم النادي أكثر من 400,000 عضو أي مشجع وليس مستثمر (حتى 2025)، مما يجعله الأكبر في العالم من حيث العضوية.
القرارات المصيرية (مثل تعديل النظام الأساسي أو انتخاب المسؤولين مثلاً لو تقرر تنحية هوينس من مجلس الإشراف لأنه لم يعد يلبي طموحهم، سيُقال من منصبه ومن أي منصب في النادي لأنهم أصحاب أغلبية
الأسهم في النادي، وبالتالي نظرية "الجمهور هو من يحكم" حقيقية وليست مجرد شعارات) تُتخذ عبر تصويت الأعضاء، مما يجعل النادي نموذجاً للديمقراطية الرياضية.
━━━━━━━━ ❖ 2. النادي الأم والشركة المساهمة: التوازن بين الهوية والاحتراف ❖ ━━━━━━━━

النادي الأم (FC Bayern München e.V)
يمتلك 75% من أسهم الشركة المساهمة (FC Bayern München AG)، مما يضمن الحماية من الاستحواذ الخارجي.
أما الشركاء الاستراتيجيون (Adidas، Audi، Allianz)، فيملكون نسبة 8.33% لكل منهم، مما يُدخل الخبرة التجارية دون التضحية بالسيطرة الجماهيرية.
━━━━━━━━ ❖ 3. مجلس الإشراف: العقل الاستراتيجي للنادي ❖ ━━━━━━━━
هنا تكمن المفاجأة!
مجلس الإشراف (Aufsichtsrat) هو من يُوجه السياسات الكبرى، ويتكوّن من 9 أعضاء يمثلون مزيجًا من النادي، الشركاء التجاريين، والسياسة:
1. هيربرت هاينر (Herbert Hainer) – الرئيس
الرئيس الحالي للنادي ورئيس مجلس الإشراف، شغل سابقًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة Adidas. يُعتبر شخصية محورية في النادي ويتمتع بعلاقات قوية مع الشركاء التجاريين.
2. فيرنر تسيدليوس (Werner Zedelius) – نائب الرئيس
شغل منصب عضو مجلس إدارة في Allianz SE لمدة 16 عامًا، ويُعتبر خبيرًا ماليًا بارزًا.
يُمثل مصالح Allianz في النادي، وهي من أكبر الشركاء التجاريين.
3. جان هاينيمان (Jan Heinemann) – نائب الرئيس
يشغل منصب المستشار العام ومدير الامتثال في Adidas AG، ويُعتبر حلقة وصل مهمة بين النادي وشركة Adidas، أحد الشركاء الرئيسيين.
4. غيرنوت دولنر (Gernot Döllner) – نائب الرئيس
الرئيس التنفيذي لشركة Audi AG، يُمثل مصالح Audi في النادي، وهي من الشركاء الاستراتيجيين.
5. أولي هونيس (Uli Hoeneß) – عضو
الرئيس السابق للنادي وأحد أبرز الشخصيات التاريخية فيه.
رغم مكانته الرمزية، لا يمتلك صلاحيات تنفيذية في المجلس الحالي.
6. كارل-هاينتس رومينيغه (Karl-Heinz Rummenigge) – عضو
الرئيس التنفيذي السابق للنادي، عاد كعضو في مجلس الإشراف.
يتمتع بخبرة واسعة وشبكة علاقات دولية قوية.
7. ثورستن لانغهايم (Thorsten Langheim) – عضو
عضو مجلس إدارة Deutsche Telekom AG، يُمثل مصالح الشركة في النادي، وهي من الرعاة الرئيسيين.
8. ديتر ماير (Dieter Mayer) – عضو
نائب رئيس النادي الأم (FC Bayern München e.V.)، ويُعتبر صوتًا مهمًا للأعضاء في المجلس.
9. إدموند شتويبر (Edmund Stoiber) – عضو
رئيس وزراء ولاية بافاريا الأسبق، يُمثل الجسر بين النادي والسياسة البافارية.
⚖️ توازن القوى داخل المجلس:
رغم التاريخ الطويل لأولـي هونيس، فإن مجلس الإشراف يضم شخصيات وازنة من شركات كبرى،
مما يضمن اتخاذ القرارات بشكل جماعي ويحول دون تغوّل أي فرد.
فهل يُعقل أن يُوصَف
هونيس بـ"الديكتاتور"، وهو مجرد صوت واحد من بين تسعة؟
أثر العضوية على السياسات العامة
لا يقتصر دور أعضاء مجلس الإشراف على المتابعة الشكلية، بل يمتد
تأثيرهم إلى السياسات العامة والخطط طويلة المدى، خاصة في ما يتعلق بالاستدامة
المالية، توجهات السوق، وتعيينات المناصب العليا.
على سبيل المثال، يلعب كارل-هاينتس رومينيغه، بخبرته التنفيذية الطويلة، دورًا حاسمًا في تقييم الأداء
الرياضي، في حين يسهم هاينر، بخلفيته الاقتصادية، في ضبط الإنفاق والحفاظ على الهوية المؤسسية.
آلية اتخاذ القرار
تُعرض كل القرارات على النقاش، ثم تُطرح للتصويت من قبل الأعضاء
التسعة، ويُكتفى بالأغلبية البسيطة لاعتمادها. ولا يمتلك أي عضو – بما في ذلك
أولـي هونيس – صلاحية الفيتو أو فرض القرار بمفرده.
اجتماعات دورية ومنظمة
تُعقد الاجتماعات كل ثلاثة أشهر أو عند الحاجة، حيث يقدم المجلس
التنفيذي تقارير مفصلة تُراجع وتُناقش من قبل مجلس الإشراف، بما يعزز من جودة
الرقابة واتخاذ القرار.
ملفات مدروسة وقرارات جماعية
القرارات لا تُبنى على الانطباعات أو المكانة الرمزية لأي عضو، بل
تُستند إلى ملفات مالية وقانونية وتقنية دقيقة، ما يعكس احترافية الهيكل الإداري.
أدوار رقابية لا تنفيذية
أخيرًا، لا يتدخل المجلس في الشؤون اليومية أو في الخيارات الفنية
المباشرة، بل يركز على مراقبة التوجهات الإستراتيجية الكبرى والمصادقة على
━━━━━━━━ ❖ 4. مجلس الإدارة التنفيذي: الآلة اليومية ❖ ━━━━━━━━
إذا كان مجلس الإشراف يُشبه الدماغ الذي يوجّه الاستراتيجيات، فإن مجلس الإدارة التنفيذي هو اليد التي تُنفّذ وتُحرّك كل شيء على أرض الواقع.
يتكوّن هذا المجلس من مسؤولي النادي التنفيذيين، وهم من يديرون الأنشطة اليومية للنادي باحترافية عالية:
يان-كريستيان دريسن – الرئيس التنفيذي.
ماكس إيبرل – المدير الرياضي.
كريستوف فرويند – المدير الرياضي المساعد.
ما هي مهام هذا المجلس؟
- الإشراف على العمليات المالية والتجارية والتسويقية للنادي.
- تنفيذ الاستراتيجية التي يضعها مجلس الإشراف.
- اتخاذ قرارات الانتقالات والتعاقدات بالتنسيق مع الإدارة الفنية.
- الإشراف على الأكاديمية والبنية التحتية.
- تمثيل النادي في المحافل المحلية والدولية.
و رغم أن مجلس الإشراف هم من يحدد الاستراتيجية العامة ويوجّه السياسات الكبرى، إلا أنه لا يتدخل بشكل مباشر في تفاصيل العمل اليومي لمجلس الإدارة التنفيذي.
هذا الأخير يتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية في تسيير النادي وفق الرؤية المرسومة، مما يمنح العملية الإدارية مرونة وكفاءة عالية.
وقد تجلّى ذلك بوضوح في إقالة يوليان ناغلسمان من تدريب الفريق في مارس 2023، حيث اتخذ القرار كلٌ من أوليفر كان (الرئيس التنفيذي حينها) وحسن صالح حميديتش (المدير الرياضي)، بالتشاور مع رئيس النادي هيربرت هاينر، دون الرجوع إلى مجلس الإشراف أو نيل موافقته المسبقة.
هذا الحدث أثار جدلاً واسعًا داخل النادي وخارجه، حيث اعتبر البعض أن القرار كان متسرعًا، وأشار أولي هونيس، الرئيس الفخري للنادي، لاحقًا إلى أن إقالة ناغلسمان كانت "خطأ".
باختصار: يُظهر هذا المثال مدى صلاحيات مجلس الإدارة التنفيذي، وقدرته على اتخاذ قرارات جوهرية بشكل مباشر، مما يؤكد أن الإدارة اليومية للنادي تتمتع باستقلالية كبيرة عن مجلس الإشراف.
━━━━━━━━ ❖ 5. الطاقم الفني: كومباني ورهانات المستقبل ❖ ━━━━━━━━
-
فينسنت كومباني – المدير الفني الجديد، جاء بعد تجربة توخيل.
-
يعمل ضمن إطار يخضع للإدارة الرياضية، ما يوضح أن القرارات ليست فردية أو مزاجية.
الطاقم الفني لا يعمل بمعزل، بل ضمن منظومة مترابطة مع الإدارة الرياضية، والتي بدورها تخضع لتوجيهات مجلس الإشراف. فالتخطيط الفني، واختيار اللاعبين، وحتى التوجهات التكتيكية العامة، تمر جميعها بمسار تشاركي، يعكس الطبيعة المؤسسية للنادي.
━━━━━━━━ ❖ لماذا فكرة "هونيس الديكتاتور" خاطئة؟ ❖ ━━━━━━━━
صلاحياته محدودة:
هونيس عضو فقط في مجلس الإشراف، دون صلاحيات تنفيذية أو حق فيتو.
توازن داخلي:
وجود هاينر، رومينيغه، وممثلي Adidas، Audi، Allianz، وغيرهم، يمنع تركّز القرار بيد شخص واحد.
قوانين صارمة:
القانون الألماني يُخضع النادي لقوانين شركات تفرض الشفافية والحوكمة.
المجلس لا يُدار بالأهواء:
جميع الأعضاء لديهم خلفيات مهنية عالية، وينتمون إلى مؤسسات عملاقة، مما يجعل البيئة بعيدة عن المجاملات أو تغوّل الأفراد.
كل قرار يمر بتصويت جماعي:
لا يمكن فرض رأي شخص واحد حتى لو كان صاحب تاريخ طويل، فصوته لا يعلو على أصوات الآخرين.
التنفيذ مفصول عن الاستراتيجية:
حتى لو كان لهونيس رأي قوي، فمجلس الإدارة التنفيذي مستقل في إدارة النادي اليومي، ولا يتلقى أوامر مباشرة من مجلس الإشراف.
لذا، تصوير هونيس كـ"ديكتاتور" يتجاهل كل هذه الطبقات المؤسسية، ويُبسّط واقعًا إداريًا معقدًا ومنظماً.
━━━━━━━━ ❖ ▌ رغم ذلك.. لماذا يتعثر البايرن؟ تحليل نقدي ▐ ❖ ━━━━━━━━
فوضى في التخطيط الرياضي:
أدى غياب الرؤية طويلة المدى إلى صفقات غير مدروسة، ويمكن إعطاء مثال بارز على ذلك بملف التعاقد مع ساديو ماني لتعويض رحيل روبرت ليفاندوفسكي.
فرغم أن ماني لاعب ذو قيمة فنية، إلا أن أسلوبه لم يكن متناسبًا مع خطة الفريق، مما أثّر سلبًا على فعاليته الهجومية.
وحتى بعد رحيله، استمر التأخر في تعويض مركز المهاجم الصريح إلى أن تم التعاقد مع هاري كين.
تدخل ممثلي الشركات في القرارات:
يحظى ممثلو الشركات الراعية مثل Adidas وAudi وAllianz بمقاعد في مجلس الإشراف، مما يمنحهم تأثيرًا ملموسًا على بعض القرارات.
هذا التدخل لا يخلو أحيانًا من صفقات غير مفهومة رياضيًا، أبرزها صفقة التعاقد مع الحارس الصهيوني.
فقد أثار هذا التعاقد جدلًا كبيرًا سياسيًا وجماهيريًا، خاصة في ظل عدم وجود حاجة فنية واضحة في مركز حراسة المرمى آنذاك، ما جعله صفقة تفتقر للتبرير الرياضي الحقيقي.
تفضيل اللاعبين الألمان في العقود والرواتب:
من الملاحظ أن بعض اللاعبين الألمان يحظون بمعاملة تفضيلية في ما يتعلق بالعقود والرواتب، خصوصًا أولئك الذين يتمتعون بشعبية كبيرة داخل الفريق، حيث يُعتبرون واجهات إعلانية لشركات رعاية النادي.
وهذا الأمر يمكن أن يؤثر سلبًا على الانسجام داخل غرفة الملابس، خاصة في ظل تزايد الحديث عن التفاوت في المعاملة بين اللاعبين.
ورغم أن بايرن ميونيخ يُعرف بنظامه الصارم في سلم الأجور، إلا أن الواقع يُظهر أن بعض اللاعبين الألمان يحصلون على رواتب مرتفعة مقارنة بمردودهم الفني على أرض الملعب، وهو ما يثير تساؤلات مستمرة حول مدى عدالة هذا التوزيع داخل الفريق.
تباين في وجهات النظر داخل الإدارة:
تظهر أحيانًا اختلافات في التقديرات بين أقطاب النادي حول بعض الملفات، وهو أمر طبيعي في مؤسسة بهذا الحجم، لكنه قد يؤثر على الانسجام في القرارات.
تراجع الهوية:
شهد النادي في السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في تجسيد الهوية التقليدية لبايرن ميونيخ داخل أرضية الملعب، وهي الهوية التي كانت تقوم على القتالية، الانضباط، والانتماء العميق لقميص النادي.
هذا التراجع يعود جزئيًا إلى الاعتماد المفرط على لاعبين لا يجسّدون تلك القيم، أمثال ليروي ساني، الذي يمتلك موهبة فردية كبيرة، لكنه كثيرًا ما افتقر إلى الاستمرارية، الروح الجماعية، والصلابة الذهنية المطلوبة في اللحظات الكبرى.
الاعتماد على أسماء كبيرة من الناحية الفنية دون النظر لمدى تطابقها مع ثقافة النادي أضعف الشخصية العامة للفريق، وخلق فجوة بين ما يتوقعه الجمهور من لاعبي بايرن وبين ما يُقدَّم فعليًا على أرض الميدان.
غابت تلك الشخصيات القيادية التي كانت تمثل قلب النادي، أمثال:
الألمان: شتيفان إيفنبرغ، لوثار ماتيوس، أوليفر كان، ماريو باسلر،
وحتى الأجانب أصحاب الكاريزما والتأثير القوي مثل: مارك فان بومل، فرانك ريبيري.
في المقابل، يُلاحظ تهميش متزايد للمواهب المحلية الصاعدة، وهو ما يُفقد النادي شيئًا فشيئًا من روحه البافارية وهويته التاريخية.
━━━━━━━━ ❖ الخاتمة: بايرن بين الماضي والمستقبل ❖ ━━━━━━━━
بايرن ميونيخ ليس ديكتاتورية، بل مؤسسة ديمقراطية معقّدة.
مشاكله الحالية لا تنبع من بنيته الإدارية، بل من أخطاء في التطبيق والتخطيط.
النجاح المستقبلي يتطلّب:
عودة سياسة الاعتماد على الأكاديمية (كما في عهد لام ومولر).
- تخطيط انتقالات استراتيجي، بعيدًا عن ردود الأفعال.
- تحقيق توازن حقيقي بين القوة التجارية والهوية الكروية.
شكرًا جزيلًا على وقتكم واهتمامكم، وأعتذر إن طال الطرح، آمُل أن يفتح هذا الموضوع بابًا لنقاشٍ مثمر. خالص التحية والتقدير لكم جميعًا!